إنه السؤال الذي يتبادر إلى أذهان المسؤولين الفلسطينيين الذين سارعوا إلى الذهاب إلى المؤسسات الدولية الأخرى الأمر الذي ربما لن يكون بنفس السلاسة التي جرى فيها التصويت في اليونسكو حيث من الواضح أنه وبرغم الحملة الأميركية والإسرائيلية وأغلب الدول الأوروبية لمنع حصول فلسطين على عضوية هذه المنظمة إلا أنه لم يشك أحد لحظة بأن فلسطين ستنال العضوية.
فهل كانت هذه العضوية اختباراً لردود الفعل الأميركية والاسرائيلية في واشنطن حيث شاهدنا الهستريا الأميركية بعد التصويت وكيف ذهبت الإدارة الأميركية إلى معاقبة المنظمة بحجب حصتها المالية لمنظمة اليونسكو والتي تشكل مانسبته «عشرين في المئة» من ميزانية المنظمة.
أما في الكيان الصهيوني فكان الرد جنونياً كالعادة حيث تمثل بوقف تحويل أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية والإسراع في التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.
هل يشكل التصويت على عضوية فلسطين في منظمة اليونسكو تغييراً في سبل المواجهة الدبلوماسية من جانب الإدارة الأميركية التي كانت تعتبر نفسها الوسيط النزيه في حل الصراع، ماحدث يشير إلى أن الإدارة الأميركية دخلت في مواجهة مباشرة مع السلطة الفلسطينية متخلية بذلك عن الدور الذي كانت تتلطى خلفه.
فيما مضى كان المراقبون وعقب توقيع اتفاق أوسلو يتوقعون أن يقوم الكونغرس بإلغاء قائمته الطويلة من التشريعات المناوئة للفلسطينيين إلا أن ذلك لم يحدث لأن آيباك وأنصار الليكود لن يقبلوا بذلك.
بل على العكس نلاحظ بأن الكونغرس دفع إلى وضع عقوبات أشد على علاقات الولايات المتحدة مع منظمة التحرير الفلسطينية وجاءت المساعدات الأميركية للفلسطينيين تحت شروط أكثر إذلالاً من أي حزمة مساعدات أميركية أخرى.
من الواضح أن السياسات المتشددة والموالية لـ «اسرائيل» تغلبت في الكونغرس الأميركي رغم سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، كما أنه من الواضح أن نواب الليكود ربما نقلوا مكاتبهم إلى مقر الكونغرس مع وصول الجمهوريين وسيطرتهم على الكونغرس عام 1994 وكلنا يذكر وصول اسحاق رابين في تلك الفترة إلى واشنطن ليوجه رسالة غاضبة إلى آيباك طالبهم فيها بالتراجع عن تدخلهم في الكونغرس حيث اعتبر تدخلهم في تلك الفترة عائقاً في طريق عملية السلام والجهود الرامية للتوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين.
نستطيع القول: إن القانون الذي طبقته الإدارة الأميركية والذي ينص على تعليق تسديد الولايات المتحدة لالتزاماتها المالية تجاه «اليونسكو» تتويجاً لتلك المرحلة وليس وليد اليوم إنه عهد الليكود وحلفاؤه في واشنطن الذين يجهدون في سبيل وضع جميع العراقيل حتى يجعلوا السلام مستحيلاً.
لقد كان تطبيق هذا القانون بمثابة العقوبة المباشرة على الفلسطينيين وجعل السعي وراء السلام «الإسرائيلي» الفلسطيني شبه مستحيل وأكثر صعوبة.
إن الإدارة الأميركية الحالية تعتبر أن هذه العقوبات فرضاً سماوياً عليها ولسانها يقول دائماً «إننا لانملك خياراً آخر» حتى مع إدراكهم لخطورة الموقف من طرح هذه القوانين على الولايات المتحدة والعالم.
فهل يفتقرون إلى الشجاعة والإرادة السياسية للتحرك وتغيير هذه القوانين..؟ إنهم يُحمّلون الفلسطينيين مسؤولية إرغامهم على مواجهة الوضع الذي خلقوه بأنفسهم ويرفضون تغييره، يصورون أميركا بأنها الضحية التي يتم إرغامها على القيام بأعمال من شأنها الضرر بفقراء العالم.
في مقابل ذلك لاشك بأن الوضع الداخلي مليء بالمشاكل ولابد من الخلاص والمصالحة والوطنية عن طريق الجوار للوصول إلى حالة تسمح للشعب الفلسطيني بالأمل بحياة أفضل، حياة آمنة من الاحتلال والقتل والاستيطان والتهجير والاستعباد.
ألا يكفي هذا الشعب ماواجهه من الاحتلال الوحشي والمذل والتوسعي الاستيطاني حتى تأتيه المواجهة المباشرة مع الدولة العظمى الحامية والمدافعة عن هذا الاحتلال أميركا، إنه لوضع مأساوي يواجه الفلسطينيين ويضعهم في مواجهة الاستراتيجية الأميركية الحديثة ويجب عليهم العمل على إرغام أميركا على مواجهة وقبول الأسباب التي تقف وراء إخفاقها في منطقتنا وعزلتها الدائمة.
في الواقع لابد من التغيير داخل الإدارة الأميركية فيما إذا أرادت واشنطن تحقيق سلام مابين الفلسطينيين والإسرائيليين ولكن ذلك يبدو صعباً إن لم نقل مستحيلاً والواقع أن كل ماترغم على فعله الآن هذه الإدارة هو التعامل مع إخفاقاتها ومواجهة الأسباب المتزايدة وراء عزلتها التي فرضتها على نفسها بنفسها.