والآن تكتشف الجامعة دورها ومداها فإذا هي قوة استفاقت للتو من نومها العميق واستلمت توجيهاً وبندقية لضرب سورية على هذا النحو الذي يتخيلون ويدعون، كان كل الوجود العربي مجرد مساحة جغرافية للاستعمار الغربي، يحتل وينهب الثروة ويقتل ويزرع الأفق موتاً وإرهاباً وتجزئة.
وما كان للجامعة (العتيدة) أن تبدي رأياً أو أن يظهر عليها ملامح حراك أو تحرك يسمي الأشياء بأسمائها على الأقل ويكون من شأنه أن يقول ببساطة إن فلسطين عربية وإن الصهيونية عدو مصيري بالنسبة للعرب وإن الاستعمار الغربي الفرنسي والبريطاني والأميركي هو مصدر للحقد على العرب وموقع لايعرف من العرب إلا أنهم مجموعات بشرية ولابد من تمزيقها، ولابد من السيطرة على ثرواتها وقبل هذا وذاك لابد من إغراقها في مستنقعات التخلف والجهل والاستهلاك والاقتتال، وما سمعنا صوتاً للجامعة حينما غزا الأميركيون والبريطانيون العراق الشقيق، يومها كانت سورية وحدها هي التي تحمل الأمانة وتتحمل المسؤولية وتدين هذا الاحتلال وتقف إلى جانب العراق وتغذي المقاومة الوطنية والإسلامية الشريفة وكان الملوك حينها مجرد دعاة ورعاة لجريمة احتلال العراق.
وصعقت أميركا ومعها التيجان العربية من موقف سورية وقد كان الأمل عندهم أن تكون سورية مخلباً في المقدمة لتدمير العراق، ونسي هؤلاء أن المسؤولية القومية والإنسانية تعلو على أي معيار آخر وليس بإمكان أحد عاقل طبيعي أن يتشفى والعراق في واقع التدمير والقتل بالملايين إنهم لايفهمون هذه الخاصية ولايعرفون أن لسورية حواس خمساً وأخرى سادسة تنبعث كلها بما فيها من طاقة وتراث لتصبح القرار النظيف ولتمهد للقرار الشريف، وأن الخلافات مابين سورية والعراق وقد كانت شديدة ومؤلمة هي ذاتها التي استنهضت أصول الانتماء الحضاري القومي في سورية وهي ذاتها التي أطلقت نزعة السمو فوق الجراح والتمسك بالثوابت والأولويات والتحذير من غدٍ قاتم أسود، كان الآخرون في الجامعة يشربون الأنخاب المقرفة على إيقاع هذا المشروع الأميركي الأوروبي الصهيوني القادم إلى العرب عبر البوارج والصواريخ والطائرات الغربية، كانت سورية امتيازاً واستثناءً ومازالت فأين كان حينها مجلس التعاون الخليجي وماذا فعلت أنظمة هذا المجلس، أسرُه وشيوخه وأمراؤه وحكامه.
ماذا فعلت هذه الأنظمة سوى أنها دفعت فاتورة الاحتلال (بسخاء) عربي مخجل وبنخوة مضمونها العبث والخدمة للمستعمر وطريقها أن يموت العرب كل العرب بما فيهم قضاياهم وحقوقهم وأن يبقى هؤلاء الحكام يتباهون بالمظهر العربي ويعتنقون الحقد على العرب والمسلمين، يومها وبدءاً من احتلال العراق كان المشروع يتضمن فقرات ثلاث تاهت في الزحمة وغابت معالمها في الواقع المأساوي للعرب وكان دور سورية أن تبقي الحقائق في مسارها وأن تثبت الوميض في الليل المعتم، أما الأولى من هذه الفقرات فهي أن يجهز الغرب والصهيونية على الوطن العربي، أن يتحول إلى أشلاء، إلى طوائف ومذاهب، إلى إثنيات وعرقيات إلى عشائر وعائلات تماماً على الطريقة التي استحدث فيها نظام المشايخ المتصالحة في الجزيرة العربية والخليج، عائلات تحكم وموروثات تفرض حضورها وانتماء للغرب بالسياسة والدور والوظيفة عبر المال والتجارة بالقيم العربية والإسلامية وكانت ثانية الفقرات أن تنتشر التجزئة العربية ليصبح العرب دولاً أخرى ممزقة ومتكاثرة وليكون ذلك مقدمة كبرى وصغرى لكي يفكر كل مهووس ولكي تفكر كل مجموعة بإنشاء كيان حتى ولو كانت شمعة واحدة تكفي لإضاءة هذا الكيان ومن التطبيقات الخطرة لهذا الاتجاه أوجدوا الحمدين الأمير والوزير في قطر وعلى شاكلتهما ماتبقى من المستعربين والمستفيقين للتو على أنهم يتقنون بناء القصور ونثر الزهور وإدارة القرار السياسي بما يلبي حاجتهم من الطاعة للأجنبي ورغبتهم في تدمير أسس الحياة القومية، وكانت الفقرة الثالثة تشتمل على قائمة من الفتن في الواقع العربي لأن المنطق عندهم لايحتمل أن تتشكل قواعد المقاومة ويتم التعويض عن الانهيار العربي الرسمي بواحات الوعي والمقاومة وبناء الذات والصحوة على إيقاع العصر، لقد سقط النظام السياسي العربي ونهض نظام المقاومة والبناء وكان من نتائج ذلك المباشرة هزيمة إسرائيل في جنوب لبنان وأزمة الاستعمار الأميركي في العراق.
وكان من الطبيعي أن تتوطد العلاقات بين مواقع الخير في الوطن العربي وفي الإقليم بكامله، وهذا أمر خطير ومفزع بالنسبة للاستعمار الغربي، ولهذا المعنى حركوا أدواتهم في هذا الزمن وانكشف الدور فإذا حمد هو (القائد) وهو المعتمد، وإذا نبيل العربي قد تحول مباشرة إلى سُّم زعاف ولسان ماكر، أي زمن أغبر هذا وكيف يحق لمن يرتبط بإسرائيل منذ عشرات السنوات ولمن انقلب على أبيه وأهانه ولمن رهن ثروة البلاد التي استودعها الله في أعماق الأرض وفوق الأرض لصالح الأجنبي ولمصلحة إسرائيل ولنشر الفتنة وتعميم القتل والإرهاب والمسألة جاءت في دورها تماماً أسفر الساقطون عن وجوههم ولسوف يسفر شعبنا عن قيمه وأصالته ومواقفه.