فمن هو الرأس المدبر ؟ هذا الرأس هو قيادة النظام المعادي الذي يحيا الفلسطينيون تحت هيمنته وينكل بهم كل لحظة وكل يوم وكل أسبوع منذ عشرات السنين. وهي بطولة أن تحيا على هذا النحو وتظل سليم العقل. (ومن قال إننا سليمو العقول) يجيبني فلسطينيون. لكن أليس دليل سلامة عقولهم قدرتهم هذه على السخرية من الذات ؟.
إن بلطجية التلال ما هم سوى حبة كرز القشدة فقط. ومعظم العمل يتم دائما على أيدي بلطجية يرتدون قمصاناً بيضاء. وهم وخلافاً لرماة الحجارة التابعين لنائب قائد اللواء من المحبوبين للجمهور الاسرائيلي خاصة أنهم من لحمه ودمه. إنهم ضباط وجنود وقضاة عسكريون ومهندسو عمارة ومقاولون في خدمة الجيش وموظفون من وزارة الداخلية والتأمين الوطني. الأيدي أيديهم. والرأس هو رأس الشعب الاسرائيلي الذي باسمه تقوم حكومة منتخبة بممارسة الاستبداد بحق الفلسطينيين. لكن ما هو هذا الاستبداد الاسرائيلي بالفلسطينيين؟ إنه لا يعني فقط السيطرة على ارضهم وإنشاء جيوب منفصلة . ولا يعني فقط إرسال فتية في التاسعة عشرة ملثمين ومسلحين حتى أطراف أنوفهم من أجل القيام بأعمال مداهمة عسكرية (560 عملية فقط في تشرين الثاني 2011 بحسب تقرير مجموعة المتابعة في قسم التفاوض التابع لـمنظمة التحرير الفلسطينية) كما لا يقتصرهذا الاستبداد على الاعتقالات اليومية (257 معتقلا في تشرين الثاني منهم 15 من قطاع غزة ) و 758 حاجزاً متنقلاً نصبت في الضفة في ذلك الشهر. وهو لايقتصر ايضا على منع البناء للفلسطينيين في أكثر من 60 في المائة من مساحة الضفة، وخضوعهم كل يوم لسلطة قانون جديد مخصص لسلب أرضهم وطردهم منها، وهدم 500 مبنى سكني للفلسطينيين وآبار ماء ومراحيض وسائر المباني الحيوية، فقط خلال العام الجاري 2011.
إن الاستبداد هو كل هذا معاً وأكثر من ذلك بكثير. والاستبداد الاسرائيلي هو فن المعايير المزدوجة ، حيث لا يحق للفلسطيني أن يبني في ارضه الزراعية كي لا يضر بالهدف القروي، لكن يجوز للدولة ان ترخص بؤرة استيطانية يهودية على أرض زراعية فلسطينية. وإنها لقمة النفاق والصلف أن نطلق على أنفسنا الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وان نردد في كل لحظة أننا مستعدون للعودة للتفاوض بينما نقوم بكل ذلك على أرض الواقع . وبعد ذلك، ألا يحق للفلسطينيين أن يشعروا بالغضب، وهم يعلمون أن هذه الممارسات ستعود بالضرر على الاسرائيليين أنفسهم قبل غيرهم .
ان كل من وقع تحت الاستبداد الاسرائيلي يشعر أنه وحيد وضعيف وغاضب ويائس. لكن كل عائلة تحافظ بطريقتها على انسانيتها وترعاها. وعلى نحو يثير الفضول والتأثر ، رغم عداوات داخلية وتقسيم غير عادل للعبء، ومظاهر الجهل والانتهازية والقيادات المخيبة للآمال، فإن النتيجة العامة هي قدرة مجمل الفلسطينيين المذهلة على المواجهة وعلى التكافل الاجتماعي. هذا هو الصمود الذي كتب عنه المحامي رجاء شحادة قبل زمن، حينما أوهمنا أنفسنا أن الشعب الاسرائيلي اليهودي قادر على الشفاء من عقدة السيد. وهذا الواقع هو ما يميز ايضا كل فرد وعائلة. انها القدرة على الصمود وضبط النفس الحكيم اللذين أصبحا أمراً عاديا وبطوليا وسيترجمان حينما يحين الوقت الى عمل جماعي مشترك لمقاومة هذا الواقع. ان الفلسطينيين أبطال بالفعل. وليس هذا تلاعب صحفي بالالفاظ بل هو حكم حقيقي ليس موجهاً لاولئك البلطجية المغمضي العيون الذين لا يحصون عددا. ان هؤلا يصرون على اغماض عيونهم لأنهم يرغبون في حياة طبيعية على مقاسهم . ولعلهم يتوهمون ان ما لا يرونه ليس موجودا على ارض الواقع وهو بالتالي لن يضايقهم .
وما ينبغي الاقرار به أن هوسنا بالحياة الطبيعية لا يمكن ان يتحقق الا بمشهد يختفي فيه الفلسطينيون تماما أو على الأقل، نضمن صمتهم واستسلامهم النهائي. لكن البطولة الفلسطينية ستظل تحبط هوى الحياة الطبيعية الإسرائيلية، وستظل تذكرنا بالحقائق الصلبة على أرض الواقع ، ولن يفيد أن نواصل الخضوع لهوى تلك المجموعات التي تريد تولي قيادتنا وهي مغمضة العيون.
بقلم: عميره هاس