لأنهم بتصرفهم هذا حققوا ما عجز الآخرون عن تحقيقه في العديد من السنوات التي خلت وذلك بممارستهم لتصرفات فظة أفضت إلى إثارة الرأي العام الإسرائيلي وربما أيضا الجيش والحكومة ضد المخالفات التي يرتكبها مستوطنو الضفة الغربية.
عمت صباحا يا «إسرائيل»، لأنك استيقظت أخيرا من سباتك العميق.لم توقظك منه أعمال العنف المرتكبة بحق الفلسطينيين التي تمثلت باقتلاع أشجارهم، وتخريب وحرق ممتلكاتهم، وإتلاف محاصيلهم، وطردهم من بيوتهم، وسرقة أموالهم، واستخدام الحجارة والفؤوس ضدهم دون أن نشهد أي استنكار يعبر عن مشاعر إنسانية. لكن حجرة واحدة أصابت رأس نائب قائد لواء أفرايم الكولونيل تسور هارباز كان لها من التأثير البالغ في الرأي العام فاق كل الويلات التي تعرض لها الفلسطينيون.
تعكف الجهات الأمنية على البحث عن الأسلوب الذي ينبغي على الدولة اتباعه لمجابهة أعمال الشغب والإرهاب اليهودي ومناقشة واقع المسلحين في الضفة الغربية الذين ليسوا سوى إرهابيين استوطنوا في أرض غيرهم. وكل تلك الإجراءات استنهضتها حجرة ألقيت وتسببت بنزف قطرات من الدم اليهودي.
إن ما حصل قد أصبح مدعاة للتساؤل إن كان من الممكن أن يصدر الإرهاب عن شعب الله المختار؟ وكيف يمكن لبعض قطرات من دم هارباز أن تسبب صدمة أكثر بكثير من كل ما انساب من دماء الفلسطينيين؟ كيف تحدث حجرة خدشت جبين ضابط صدى فاق بكثير ما أحدثته قنبلة الغاز المسيلة للدموع التي قذفت على الفلسطيني مصطفى التميمي وأردته قتيلا قبل أيام قلائل من قبل جيش هارباز؟
إن اليمينيين لم يسيئوا لسمعة «إسرائيل»، ولم يعرضوها للخطر، وكلنا معجب بهم فماذا نريد منهم أن يفعلوا؟ وخاصة بعد أن رُسخ في عقولهم بأن كل شيء مباح لهم، لذلك وجدناهم لا يتورعون عن الادعاء بأنهم الأكثر أخلاقا، علما أنه لا يوجد ثمة حدث جديد بتصرفاتهم، وأنهم لم يتخطوا الخطوط الحمراء باستثناء خط واحد الذي هو خط اللامبالاة.
لقد سبق وأن كتبنا الكثير من المقالات والتحقيقات حول ما ارتكبه المستوطنون من آثام، وكتبنا أيضا عن ممارساتهم تجاه الفلسطينيين، من الاعتداء على أطفالهم المتوجهين إلى المدارس، وإلقاء القمامة على نسائهم، وتسليط الكلاب على المسنين منهم، وخطف الأغنام من الرعاة، وسرقة الماشية وتعكير حياتهم ليل نهار، والاستيلاء على ممتلكاتهم، كل تلك الأمور لم تحرك ساكنا في ضمير أحد.
وفجأة يحدث أمر يسبب الصدمة للجميع. لذلك وجدنا لزاما علينا القول: عمت صباحا يا «إسرائيل»، ما الذي حدث؟ خاصة أنه من غير المسوغ مساءلة أولئك الشبان على ما اقترفوه بعد أن أصبحت لديهم القناعة أن الدولة التي سبق وأن تعامت وتغاضت عما اقترفه آباؤهم من آثام بل ومنحتهم الدعم والمؤزارة من قوات الدفاع الإسرائيلي وقدمت لهم المساعدات الطائلة وقطعت لهم الوعود بالبقاء في هذه الأرض إلى الأبد، وأعطتهم المشروعية لن تسعى اليوم لمعاقبتهم. لكن وبشكل مفاجئ تدار الظهور لهم ويدانون ويهاجمون من مختلف الجهات وكل ذلك بسبب حجرة.
لا شك أنه من المتعذر تغيير أسلوب التعامل مع مثيري الشغب من المستوطنين بين ليلة وضحاها. ذلك لأن ثمة أسساً قد رسخت في عقول المستوطنين تقول إن هذه الأرض لهم ومن حقهم فعل أي شيء فيها. لكن ليس من السهولة بمكان إجراء تغيير مفاجئ على ما سبق وأن نهجته القوات العسكرية في التعاطي مع أولئك المستوطنين بسبب ذلك الجرح البسيط الذي تعرض له ضابط في قوات الدفاع.
من حق «إسرائيل» إجراء تغيير في التوجهات التي دأبت عليها، لكن ينبغي أن يكون التغيير جذريا ويطبق على المشروع الاستيطاني برمته بحيث يصار إلى وقفه بشكل كامل ومعالجة كل ما هو غير قانوني أو بمعنى أصح تغيير الواقع المزري وغير الأخلاقي المطبق على الفلسطينيين في الأراضي. إلا أن الواقع يؤكد لنا أن كلاً من الحكومة وقوات الدفاع الإسرائيلية ومعظم الإسرائيليين لا يفكرون بإجراء مثل تلك التغييرات. لكن بتقديرنا نرى أن كل ما هو أقل من ذلك يبقى كلاما لا معنى له.
دعونا نقول الحقيقة كاملة: فما هي الجدوى من إخلاء مدجنة في بؤرة استيطانية مثل متسبيه يتسهار، في الوقت الذي نجد به مستوطنة إفرات تتوسع لتصبح على تخوم بيت لحم. وما الهدف من شن حرب على «البؤر غير الشرعية» بينما نجد المستوطنات المسماة «شرعية» في عوفر قد بنيت على أرض للغير تم الاستيلاء عليها. وما الهدف من إصدار أوامر زجرية لردع مثيري الشغب في حين لم يحدث من قبل أن قامت الحكومة الإسرائيلية بإصدار أوامر مماثلة تجاه نظرائهم الذين يرتكبون أعمال عنف مشابهة؟.
يرى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن المتظاهرين الذين مارسوا العنف وتسللوا إلى قاعدة أفرايم ليس لهم سوى هدف واحد هو الحفاظ على الوضع القائم وبقاؤهم في مستوطناتهم، وهم في ذلك يحاكون معظم الإسرائيليين الذين يقودهم رئيس الحكومة. لذلك أقف لأتساءل هل أقدم الزهور لمثيري الشغب؟ لكني عندما أمعن التفكير أجد أنهم لم يفعلوا أي شيء يستحقون الشكر عليه.
بقلم جدعون ليفي