تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الجاران وباكيت المارلبورو

ساخرة
الخميس 24-11-2011
معتصم دالاتي

الحلال واضح. والحرام واضح. وإذا حصل شيء من الالتباس في تقييم بعضهما بين زمن وآخر، إلا أن القيم العالية المتعارف عليها منذ أقدم العصور هي ولا شك ثابتة لا تتغير. وإذا سادت في زمن ما مقولة:

إن الموظف النزيه هو غبي لا يعرف أن يدبر رأسه، فلا يمكن أن تكون هذه قاعدة. بل هي التباس في أذهان بعض الناس لا يلبث أن ينتهي آجلاً أم عاجلاً ليعود الصحيح إلى مكانه، وتعود مقولة الموظف النزيه غير المرتشي هو الذي يحظى بالاحترام.‏

كان يفرق تماماً بين الحلال والحرام. ويدرك جيداً الخطأ من الصواب. ويعرف الفرق بين الرزالة والأوادمية، ولذا فقد اختار الحرام والغلط واللف والدوران طريقاً له في حياته وسلوكاً في معيشته، لأنها الطريق الأقصر لجمع المال الذي يجله ويقدسه أكثر من أي شيء في هذه الحياة الفانية، فالمال لديه أهم من الفضيلة والأخلاق وأحب إليه من أمه وأبيه وحتى أولاده، وفي سبيل الحصول على أي مكسب لا يتوانى أن يبيع الجميع.‏

كان لهذا الرجل جار قديم نشأ معه في نفس الحارة، وهذا الجار عرف أيضاً الفرق بين الاستقامة والاعوجاج. فالتزم النزاهة بطريقة تقرب من القداسة، وكان يحتل منصباً مرموقاً في إحدى دوائر الدولة التي لها علاقة لجميع المواطنين، ولو أنه سمح لضميره أن يصاب ببعض النعاس، لا النوم، لكان بإمكانه أن يصبح قطاً سميناً، ولأنه كان يدرك أنه سيأتيه يوم يحال فيه على المعاش، فلم يكن يستخدم السيارة التي خصصتها له الدولة إلا في المشاوير الرسمية التي تتعلق بالوظيفة. وغالباً ما كان يأتي إلى عمله صباحاً سيراً على الأقدام، فهو يحب رياضة المشي، وكثيراً ماكان يعود إلى منزله عند انتهاء الدوام مستخدماً السيرفيس المخصص لجميع عباد الله من المواطنين البسطاء كي لا يعتاد على السيارة التي سوف يفقدها في مرحلة التقاعد من الوظيفة، وكان سعيداً وقانعاً بحياته البسيطة الخالية من الرفاهية وما تسببه من أوجاع في الرأس، ولذا كان مختلفاً مع جاره القديم في كل شيء.‏

هذا الجار الشاطر في جمع المال بأي طريقة كان مرة يشكو جاره المستقيم لأخيه، فقال له: عجيب أمر أخيك هذا، لقد قلت له أكثر من مرة، يا جارنا القديم: أنت حريص على تطبيق القانون، وأنا لا أقول لك أن تخالفه، بل اعوجه قليلاً، وكان هذا المتكلم المولع بالاعوجاج يجلس في مكتبه إلى طاولة تحمل باكيت مارلبورو تهريب لأجل ضيوفه وزواره ممن تجمعه بهم مصالح مشبوهة: فأمسك باكيت المارلبورو التهريب بيده كوسيلة إيضاح وتابع كلامه: أنا لا أطلب من أخيك أن يحمل الباكيت ويضعه في درج الطاولة أو في جيبه.. لا سمح الله، بل بدلاً من أن يكون في هذه الوضعية يمكن أن يجعله في وضعية أخرى، يميناً أو شمالاً أو واقفاً أو منحرفاً، وأنا مستعد أن أبعث له بالزبائن، فيستفيد منهم، وأنا أستفيد. لكن أخاك يا سبحان الله عقله يابس.‏

قال المستمع لجاره الشاطر: اسمع يا جارنا القديم بعد أن قدمت لي وسيلة إيضاح سأقدم لك أيضاً وسيلة إيضاح.‏

في بعض دول الفرنجة من الغرب قد حصلت المرأة على كامل حريتها وخصوصاً ما يتعلق منها بالجسد، فهو ملك لها تهبه لمن تشاء دون أن يمسها أحد بتهمة أو إساءة، لكنها عندما تأخذ أي مبلغ ثمنا لتقدمة جسدها فإنها ستغدو عاهرة ومنبوذة في عرف الجميع، وأخي يا صديقي يمكن أن يدير باكيت المارلبورو هذا كما يريد ضمن القانون والتعليمات لأجل مساعدة المواطن وتسهيل معاملته، ولكنه إذا ما أخذ قرشاً واحداً ثمناً لتلك المساعدة، أو قبل هدية فسيتحول آنذاك إلى لص وحرامي ومرتشي. وأنت تعرف أكثر من غيرك أن ابن جيرانك القديم هذا لا يساوم على سمعته وأخلاقه وضميره بكل ما جمعت أنت من مالٍ حرام.‏

فنظر هذا الرجل إلى محدثه وجاره القديم وقال: أنت وأخوك أضرب من بعضكما البعض خليكون عايشين عالفقر.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية