تعبت من صوتي يباغتني بالهمهمة
أمام امرأة جميلة وبالسكوت أمام شخص وقح وبالتلعثم أمام منبر ممل.
تعبت من كلّ شيء يباغتني؛ زمّور سيّارة، مكان أنا فيه, فكرة تهشّم رأسي وتطير..
تطير ولا أقبض سوى على حقيبة تسحبني من أيّام الدراسة الأولى..
الحقيبة التي لم أضف إلى محتوياتها شيئا يذكر سوى فرشاة أسنان وجواز سفر يغادران معي كلّ مرّة أغادر فيها بيتاً كنت أسكنه وامرأة كانت تسكنني..
كلهم يرحلون حتى الذين زودتهم بأقدام كي يسيروا إلي..
ظهري يشدّه الصمغ إلى الجدار الورقي، خرزة في القلب، أنفي يسيل منه حبر ختم وطني.
يمسكني من يهمّه الأمر بين السبابة والإبهام أحاول أن أبتسم إليه من خلف الجلاتين.
كلّ هذا أضعه في جيبي الخلفي وأمضي كلّ صباح في الزحام
أنا السهم الذي همس للريح وهي تشيّعه إلى صدره الأخير: لم يتسع لي وتر وقوس إلا ليلفظاني.
صدأ المسمار حينما عاتبه الخشب.
سكت دهراً واحتجب.
وحينما اقتلعه الكلاّب ذات خريف قال: أسأل المطرقة يا سيدي، أنا أيضاً كنت أئن..
مثل (كان) لم يعد لي إلا بضع أخوات يرفعن أسمي، وهنَّ متباهيات أمام جارة ثرثارة أو زوج غبي.
وكالفاتحة؛ لا أقع على شفاههن إلا أمام قبر أمي وأبي.
راقصت ساندريلا عسكرياً، عريض الرأس، متلألئ النياشين.
وحينما دنت ساعة الصفر التحق العسكري بقطعته في اليوم التالي.
حملت ساندريلا فردة البوط تبحث عن صاحبها في الأسواق.
كل ما سألت أحدهم ذعر وتلمّس رقبته.
كنا صغاراً وكانت عصا المؤدب في الكتّاب أطول من ألسنتنا جميعاً.
كانت عصاه لا تستهدف إلا رؤوسنا الخضراء الصغيرة.
كنا نستخدم الألواح ترساً لصد ضرباته الموجعة.
فتتألم الكلمات وتتساقط همزات القطع والوصل وحروف العلة والجر.
من يومها نشأت كلماتنا خائفة عرجاء.
نحن الذين لاتطرق أبوابنا إلا الفواتير والدائنون.
نحن الذين لا تقبّلنا إلا أمواس الحلاقة في الصباح.
نحن الذين تسخر منا مرايا المصاعد وأضواء السيارات.
نحن الذين تبرأت منهم ألسنتهم عند الإهانة وخواصرهم عند الرقص وحكوماتهم عند اللزوم.
نحن الذين تبصق الطائرات والسماء والجرائد والعصافير فوقهم فيضحكون.
نحن الذين قلنا للزمن كن فلم يكن.
جدي قتله المعمّرون الفرنسيون شرّ قتلة، بسبب إقدامه على حرق محاصيل قمحهم، قبيل الحصاد.
وبطريقة قيل إنها شنيعة كان جدّي يصيد أسمن الجرذان (يحمّمه) بالبنزين.
ويلقي بالحيوان الصغير كتلة من لهب تركض مذعورة بين السنابل اليانعة.
الآن أركض مذعوراً في الشارع الطويل الذي سمّي باسم جدي الشهيد، وقد امتلأ بالجرذان السمان...
hakemmarzoky@yahoo.fr