فلم تعد ذاك المكان الذي يشغل فيه محور العملية التعليمية والمعلم مجرد متلق سلبي يجلس على مقعده وكأنه خشبة مكتوف الأيدي يحظر عليه الحركة والكلام في جو تسوده الجدية الصارمة المتعارضة مع طبيعة الطفولة الجامحة للحركة والاستكشاف.
وقد أساء بعض التلاميذ الفهم في تغيير طرق التعليم من سلبية إلى تفاعلية بمزيد من الفوضى وقلة الانضباط ما جعل غرفة الصف تشكل أزمة حقيقية للكثير من المعلمين وخاصة في مدارس التعليم الأساسي ما بين المعلم وبين تحقيق أفضل الظروف الملائمة لتحقيق التعلم الفعال.
وقد أشارت العديد من الدراسات إلى أن تدني مستوى الانضباط داخل الصف المدرسي يعتبر من أكبر المشكلات التي تواجه المعلمين في المدارس باعتبار أن الانضباط الصفي هو عملية قبول للتعليمات والتوجيهات الصادرة للطلاب لتسهيل القيام بما يسند إليهم من وظائف وأعمال وأنشطة.
تنمية أساليب الضبط الذاتي
فهل الانضباط هو غاية المعلم لفرض هيبته فقط؟ تجيب ميساء- مديرة إحدى مدارس التعليم الأساسي- حلقة أولى: إن الانضباط والنظام داخل غرفة الصف وليس هدف المعلم هو وسيلة تساعده على إدارة الصف بما يحقق زيادة في التحصيل الدراسي للتلاميذ، فكثير من الوقت يهدر عبثاً بسبب الفوضى ما يشتت المعلم ويفقده القدرة على التركيز والتفاعل مع التلاميذ لتطبيق الأنشطة اللازمة لفهم الدرس، فنصف وقت بعض المعلمين يذهب لإحباط محاولات بعض التلاميذ بإثارة الفوضى وأضافت بالقول: إن ضبط الصف لا يتعارض مع التربية الحديثة ولا يعني قمعاً لطفولتهم بل لمساعدتهم كي يصبحوا أكثر قدرة على إدارة أنفسهم وتنمية أساليب الضبط الذاتي.
شكوى معلمين
وبكثير من الامتعاض تحدثت سناء- معلمة مرحلة ابتدائية- عن الفوضى التي بات كثير من التلاميذ يعتبرونها حقاً لهم كونهم أطفالاً بل يفتعلون الكثير من المواقف التي تخلق البلبلة، قالت: من الصعوبة ضبط بعض التلاميذ وإقناعهم بالتخلي عن ممارسة الشغب و(الشيطنة) بل قد يجنح البعض منهم كثيراً ويغالي ليصل إلى حد ممارسة العنف والإساءة لرفاقه في الصف والأثاث المدرسي، فهل يعقل أن تُخلع مقابض الأبواب وتُكسر المقاعد والكراسي أو أن يتم فك بواري المدفأة!؟
وشكت بكثير من الاستياء- صفاء- معلمة مرحلة ابتدائية من صعوبة إقناع بعض التلاميذ بالكف عن الحركة والتجول في الصف أو تبادل الأحاديث الجانبية أو اللهو بأغراض زملائهم من قرطاسية وحقائب أو محاولة الصراخ والتدافع للإجابة عن سؤال طرحته وهذا بحد ذاته متلف للأعصاب ويدعو للتوتر..
مسؤولية المعلم والإدارة والمرشد
ويرى رضوان إبراهيم- معلم- أن للمعلم دوراً كبيراً في ضبط الصف ولكنه ليس الوحيد المسؤول عن ذلك بل ينبغي أن تشاركه فيه الإدارة المدرسية والمرشد الاجتماعي وأولياء الأمور لمعرفة سبب المشكلة ووضع الحلول لها.
الهدوء لتفاعل مثمر
وتؤكد الاختصاصية التربوية الدكتورة منى كشيك- مدرسة في كلية التربية- جامعة دمشق على أهمية أن يسود الصف جو من الهدوء، فالنظام الصفي يعتبر معياراً لنجاح الفعاليات التعليمية التي تقدم للطلبة، وهو الحالة السوية التي ينبغي أن تسود المواقف الصفية التي خططت لها الأنشطة، وقسّم اليوم الدراسي على أساسها والغاية من الضبط الصفي هو جعل النظام واحترامه قيمة واتجاهاً ذاتياً في شخصية الطالب يمارسه في مختلف جوانب حياته.
وحتى يتم التفاعل المثمر بين المعلم والتلاميذ يحتاج ذلك إلى جو يتسم بالهدوء ولا نعني بذلك الصمت التام الذي يكون مصدره الخوف من المعلم بل الذي ينبع من رغبة التلاميذ أن يتعلموا ويستغلوا كل فرصة للاستفادة مما يقدمه المعلم.
ومن مشكلات الضبط الصفي التحدث غير المناسب وعدم الاستجابة للتعليمات، فقد يتحدث البعض بصوت عال أثناء الشرح أو يجيب دون إذن وأن يتحدث بلغة غير لائقة اجتماعياً أو تربوياً.
وأسباب هذه المشكلات ترجع كما حددتها د. كشيك إلى عوامل تعود بعضها للطالب كمستوى القدرة العقلية، فإن كان مستوى المادة التعليمية منخفضاً يسأم المتفوقون وإن كان مرتفعاً أدى ذلك إلى شرود ذهن الطالب المنخفض الذكاء، وهناك أيضاً بعض العوامل الصحية التي تؤثر على سلوك البعض كضعف البصر أو السمع وضيق التنفس ما يدفع للاعتقاد بأنه مهمل في حال جهل العلم بحالته
احتجاج على القيود
وقد ترجع المشكلة إلى تركيبة الجماعة داخل الصف عندئذ تظهر أنماط سلوكية غير مناسبة احتجاجاً على القيود أو التغيير كما تظهر أحياناً أنماط سلوكية تدل على الصراع القيمي، كالانقسام بين الذكور والإناث أو مقاومة للتعلم، كعدم كتابة الواجبات والمطالبة بإعادة الشرح أو ترجع إلى المضايقات بين أفراد الصف كالسخرية أو التجاهل.
قيادة المعلم والإدارة
وأحياناً قد يكون المعلم هو السبب وذلك في حال عدم التخطيط لدروسه أو لقيادته المتهاونة جداً أو المتسلطة كما تلعب اإدارة دوراً مهماً في الضبط الصفي فعدم واقعية القوانين والتعليمات قد يدفع الطلاب إلى التحدي وعدم الالتزام.
ولابد من الإشارة أيضاً إلى المشكلات التي تعود للأسرة كالمستوى الثقافي والتعليمي للوالدين وتقديرهما لحاجات الأبناء النفسية والجسمية والاجتماعية لتحقيق النمو وإشباع حاجاتهم المادية من كتب وحاسوب وألعاب، إضافة إلى نوعية العلاقة السائدة بين أفراد الأسرة ونمط القيادة داخلها، كل ذلك يؤثر إما سلباً أو ايجاباً فيجعل الأطفال إما مرنين مطيعين أو متمردين مشاغبين داخل الصف وضمن أسوار المدرسة.