يبدو أن أردوغان فهم الدرس القاسي وإن كان يميل إلى عدم الاعتراف به بدليل أنه عاد ليصرح عن اتفاقيات بينه وبين القيصر حول إدارة بعض مناطق الشمال وخصوصاً إدلب والأتوسترادات، ويلوح لأوروبا بصوت خافت هذه المرة مهدداً بالنازحين إن لم تدعمه، لكنه لم يلق أي رد إيجابي بمعنى أن تهديداته لم تعد تجدي نفعاً وأن عليه القبول بالهزيمة وترك سورية تنهي معركتها ضد الإرهابيين لتحرير كامل ترابها.
لقد ذهب أردوغان إلى بوتين لينقذه من الورطة التي أوقع نفسه فيها على خلفية أحلامه الوهمية وتلقى مهانة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل كان ضرورياً أن تعطيه روسيا فرصة للعودة إلى اتفاقيات آستنة وسوتشي رغم علمها أنه ليس من الأشخاص الذين يؤتمن جانبهم. والجواب الظرفي العملاني هو أن البروتوكول الجديد لم يكن مقبولاً، فأردوغان بعد معركة سراقب الثانية وئدت أحلامه مع جثث العشرات من جنوده وضباطه الذين اعترف بمقتلهم في الميدان بعد معركة لم تدم أكثر من 10 ساعات في مواجهة منظومة الدفاع عن سورية، ويتأكد من أنّ أوهامه اختفت مع شروق شمس الحقيقة في سراقب بعد تحريرها الثاني الذي لم يستغرق أكثر من 10 ساعات.
ولكن إذا دققنا في الوضع استراتيجياً نصل إلى نتيجة أخرى، حيث إنّ لروسيا وسورية مصلحة في هذا البروتوكول رغم تضمّنه بند وقف إطلاق النار الذي أوقف عملية التحرير وفيه من الإيجابيات ما لا يمكن إهماله، فهو يثبت ويضمن استقرار الأمن في المناطق المحرّرة حديثاً ويمنح الوقت الكافي للجيش العربي السوري لبناء منظومة الدفاع الملائمة التي تحمي تلك المناطق، كما يوقف البروتوكول المساعي التركية الرسمية للتحريض ضد سورية التي لا ترى في تركيا عدواً، وتميّز بين تركيا النظام والشعب.
ويعطي الوقت للجيش العربي السوري وحلفائه لإعادة التنظيم وتهيئة البيئة العملانية لتكون مناسبة للعمليات القتالية ضد المجموعات الإرهابية التي لا تلتزم بقواعد مناطق خفض التصعيد ووقف إطلاق النار، أو تمتنع عن الانسحاب من محيط الـ (M4).
ويقيم فضّ اشتباك ميداني بين تركيا وسورية التي لا ترغب أصلاً بمواجهة تركيا، ما يمكّن سورية من التفرّغ لمواجهة الإرهاب ويتيح لتركيا مواصلة إشغال مقعدها في منظومة أستانا، التي ترى فيها روسيا الطريق الوحيد للحل. أما على صعيد العلاقة الروسية التركية البينية، فإن من مصلحة روسيا وبعد أن صفعت أردوغان في الميدان لا بل أدبته بالنار أن تظهر له بأنها ما زالت تشكل له ملاذاً يطمئن إليه بعد أن خذلته أوروبا وأميركا والأطلسي وبعد عزلته عربياً، وأن تحتضنه في لحظة هزيمته وعزلته حتى تبقيه في منطقة وسطى بينها وبين الغرب الأطلسي دون أن يكون متطرفاً لصالح ذاك الحلف الذي ينتمي إليه.
ومع هذا نرى أيضاً أن هذا البروتوكول لن يصمد طويلاً وسيعطي وقتاً للانطلاق إلى وثبة التحرير القادمة، بعد أن يخرق الإرهابيون الاتفاقية ما يبرر استئناف العمليات والتحرير الذي لن يكون إلا عسكرياً.
وإن غداً لناظره قريب...