وعبر التلويح بعصا «الفيتو» في مجلس الأمن, المسبوق بمقاصصة اليونيسكو عقاباً على قبولها عضوية فلسطين.
سلطة رام الله امتثلت لمشيئة واشنطن فانعطفت في اتجاهين: اتجاه المصالحة الفلسطينية, واتجاه الانخراط في حملة عزل سورية, وبما يخدم الاستراتيجية الامبريالية في إعادة رسم الساحة العربية وفق مصلحة الناتو بعد الانسحاب من العراق.
والشاهد أن المصالحة الفلسطينية, والتي يصفها عباس بـ«الكاملة», هي الثانية بعد مصالحة أيار الماضي, التي تعثرت بفعل فاعل هو الرئيس أوباما, القائل: «إن هذه المصالحة تضر بعملية السلام». لماذا؟ لسبب جوهري هو أن مصالحة أيار لم تستدرج شعب فلسطين إلى مفصل الاعتراف بـ«اسرائيل».
فهل انتزع عباس من حماس ما يطمئن واشنطن, في «المصالحة» الأخيرة؟!
الإجابة بالإيجاب قد تفسر شجاعة سلطة رام الله في إعارة دور الرئاسة في الجامعة إلى متعهد تخليق أزمة في سورية: دولة قطر. وكذلك الشجاعة في الاشتغال على خط الجامعة العربية, كما في السناريو الليبي, لاعتماد قرار يعاد إصداره في مجلس الأمن, وتحت الفصل السابع, يشرعن تدمير سورية بآلية الناتو العسكرية.
بصرف النظر عن مدى الفاعلية التي تراهن عليها سلطة رام الله, وهي تنعطف في الاتجاهين المذكورين, فإن مقولة «سيوفكم أطول من قاماتكم» تتربص بمقترفي الكيد لسورية, ومن ثم لفلسطين, التي تتناهى إليها خطوط الحركة الأميركية في هذه المنطقة, على ما في هذه الحركة من استئجار لقوى عربية أدمنت الجري في ملعب واشنطن, وهو الاستئجار «الواعد» في نظر أوباما لضمان التسلل إلى الخطوط الخلفية لقضية العرب القومية المركزية.
فالإسلامويون الذين يسبغون القدسية على كلام الوزيرة كلينتون في شأن شيطنة سورية, ويعدون خطاب واشنطن وباريس ولندن معبراً عن «المجتمع الدولي»!!!, إنما يقترفون تسويق الخطاب الامبريالي في مقاربة الصراع العربي-الصهيوني, على ما فيه من فظاظة في ممارسة العدوانية على العرب قاطبة, وعلى شعب فلسطين خاصة. وذلك لأن توصيف كلينتون لتقرير غولدستون, أنه «مزور كليا» لا يزال يرن في الآذان. وهو التوصيف الكامن في تواطؤ سلطة رام الله الإجرائي مع المعسكر الامبريالي في إجهاض التقرير, وفي انخراطها في حلقة استنساخ السيناريو الليبي لسورية عبر الجامعة.
ولا يستقيم نظريا وعمليا جمع الصيف والشتاء على سطح واحد, لا للأمريكيين ولا للإسلامويين وسائر المتأمركين العرب متعهدي توليد الأزمات لسورية ومصر خاصة. فأميركا بحاجة ماسة إلى تعويض فاقدها الاستراتيجي الذي يتلو إرغامها على الانسحاب من العراق, تحت ضغط أزمتها المالية, وتحت ضغط جسر النعوش الطائرة من بغداد وكابل إلى واشنطن.
ثم إن أميركا هذه في حاجة إلى تعويض فاقدها الاستراتيجي المصري المترتب على خلع حسني مبارك.
وهنا تأخذ موقعها الرمايات على سورية ومصر معاً, بالتتابعية في نسج أزمة لسورية في الجامعة, وعلى الأرض, حتى بـ»معارضة» لا تستطيع أن تتحد. وكذلك الرمايات على مصر, من باب إثارة مخاوف الإسلامويين من أن كل ضابط في المجلس العسكري, يختزن جمال عبد الناصر جديداً.
وما لا يمكن إغفاله في تسديد الرمايات على سورية ومصر معاً, هو المصلحة الأميركية في إعادة تشكيل الوضع السياسي في بلدي الطوق الأساسيين, طبقا للعقيدة الامبريالية الممتدة منذ «التصريح الثلاثي» 1950, الصادر عن واشنطن ولندن وباريس, القاضي بضمان أمن الكيان الصهيوني.
وسوى ذلك تفاصيل لا تجاوز ستار الدخان الذي يصرف الأنظار عن تموضع أميركا في الخطوط الخلفية لمراكز الثقل في عقيدة الأمن القومي العربي.
من هذه التفاصيل محاولة إكراه دمشق على الخيار بين تسليم السلطة للإسلامويين أو تدخل الناتو العسكري.
ومنها إكراه المجلس العسكري المصري على الانقياد لخطة (أسلمة مصر) أو مواجهة الفوضى.
وقد لا يمر وقت طويل حتى ينكشف تلطي الإسلامويين في سورية خلف معارضة إصلاحية يرفضون حوارا معها, عن أبلسة متطابقة مع أبلسة واشنطن وهي تعرب عن قلقها من تطور أوضاع مصر بما لا يتماشى مع عقيدة السادات-مبارك التصالحية مع «اسرائيل», كما في حصار السفارة في القاهرة الذي تنصل منه الاخوان المسلمون ببيان خطي, وكما في السماح لبارجتين ايرانيتين بعبور السويس إلى سورية.
إذ إن الراهنية والإلحاح في استراتيجية الانكفاء من العراق, يقتضيان كل هذا القدر من الأبلسة الأميركية للتسلل إلى الخطوط الخلفية لمواقع العقيدة القومية المستعادة في مصر والراسخة في سورية, تحت غطاء يتكفل به مدمنو الارتهان للمشيئة الامبريالية؛ مدمنو الكيدية ضد التيار القومي اليساري منذ أن استقرت قواعد الاشتباك في هذا الوطن على أن «اسرائيل» عدو.
اغتيال الطيارين العسكريين السوريين الستة في ضاحية حمص قبل أسبوع, علامة فارقة على أن الإسلامويين يقفون في الخندق الاسرائيلي, لأن الطيارين الشهداء حرس للوطن ومقطوعو الصلة بالتخرصات الإعلامية المنسوجة من الافتراء القائل إن الطيران الحربي يقصف المتظاهرين السلميين عشوائياً. واغتيالهم خدمة مباشرة لعدو الوطن, كونه يمس جهوزية سلاح لا وظيفة له إلا التصدي لعدو سورية. وباغتيالهم تتكامل معطيات لوحة التسلل الأميركي إلى الخطوط الخلفية لفلسطين, التي تحتكر تمثيلها سلطة معادية لنهج المقاومة, ومتمترسة بعناد في موضع عنوانه: لا بديل للمفاوضات إلا المفاوضات!.
Siwan.ali@gmail.com