|
رضا سعيد بعيــــــون القبــــاني منوعات كانت أسرته تقطن في منزل مجاور لأسرتنا وتحظى باحترام وتقدير واسعين، وفي المقدمة أرملته الفاضلة السيدة خيرية ماميش أو خالتي خيرية كما اعتاد الجوار لفظ اسمها بأحرف مفخمة على طريقتها في الحديث، فقد تميزت، رحمها الله، بشخصيتها القوية وحضورها الراقي وثقافتها الواسعة وروحها الإنسانية المعطاءة ما أهلها لتؤدي دوراً بالغ الأهمية في الحياة الاجتماعية السورية برفقة رائدة العمل النسائي السيدة عادلة بيهم الجزائري.. هذا عن المرة الأقدم، أما الأحدث فقد كانت مع الكتاب الأنيق في شكله ومضمونه الذي حمل اسم رضا سعيد موثقاً لسيرته الذاتية بإبداع المثقف والباحث والأديب والتشكيلي والدبلوماسي التي تلتقي في وجدان الدكتور صباح قباني، فجاء الكتاب سيرة ذاتية لرجل استثنائي مصاغة بحس روائي رفيع يحرص على وضع الحدث في الإطار الصادق لمكانه وزمانه فيجعله من ذلك النوع من الكتب الذي يغريك باستعجال أحداثه، في الوقت ذاته الذي تستحوذ عليك التفاصيل الأنيقة فتخشى أن تنتهي من متعة الاستغراق بها.. يجهد الدكتور قباني نفسه في استكمال صورة حياة بطل كتابه مع ندرة المصادر التي تحتاجها (روايته)، ، وينجح رغم ذلك في تقديم سيرة حياة تتفجر حيوية، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المرحوم رضا سعيد لم يترك بعده مذكرات مدونة، وقد أظهر الكتاب رضا سعيد كبطل ملحمي، فمن رحيل أمه المبكر إلى رحيل زوجته الشابة سلسلة من الألم والإحباط الشخصي على خلفية الألم والإحباط العام الذي تسببت به الحروب التركية العبثية وما جرته من كوارث ومآسي كان ثمنها مئات آلاف الضحايا من العرب والأتراك، مترافقة مع نمو النزعة الطورانية المعادية للعرب التي توجتها جرائم جمال باشا(السفاح).ومن ثم خيانة الأوربيين لحلفائهم العرب وغدرهم بهم ونكوصهم بوعود الحفاظ على وحدة بلادهم، ثم إقدامهم على احتلالها وتجزئتها وصولاً بعد عقدين من الزمن إلى سرقة فلسطين من قلبها وإعطائها لليهود المبعدين من أوروبا نفسها.. يحكي الكتاب بتفاصيل ممتعة عن نشأة رضا سعيد في كنف والده الأميرالاي في سلاح الفرسان والذي أرسله للدراسة في اسطنبول وهو لما يتم الثانية عشرة من عمره، وكيف تابع دراسته بتفوق إلى أن حصل على الإجازة في الطب ثم اختصاصه في طب العيون بفرنسا، ومشاركته كطبيب عسكري في حرب البلقان ولقائه بالملك فيصل الذي كلفه بإنشاء المدرسة الطبية العربية ودوره الأساسي في تأسيس الجامعة السورية وعدة مشاريع حيوية.وأحداث مهمة كثيرة على المستويين الشخصي والعام.. وبوحي ما قاله الشاعر نزار قباني في الكتاب فقد أتيح لطبيب العيون الرائد أن يحظى بعد أكثر من نصف قرن على رحيله بعيون أديب مثقف وتشكيلي تدرك حقيقة الأشياء وتحسن رؤيتها فقدمت لنا إضافة رائعة إلى المكتبة العربية ووثيقة ثمينة عن رجل ومرحلة .. www.facebook.com/saad.alkassem
|