د. الزيدي تجول في ثنايا متشعبة لمفهوم الحداثة, الذي بالكاد نحصل على اجماع في تعريفه مع أنه مسألة استراتيجية في البناء الحضاري تشغل أرجاء الوطن العربي بحكم الخصوصيات الحضارية لذلك كان د. الزيدي أكثر ميلاً لطرح معادلة الحفاظ على الهوية العربية وكيفية التمسك بمقومات أصالتنا وفي نفس الوقت القدرة على التفتح على عصرنا ومواكبة ما يذخر به من تطورات وابتكارات وتقدم.
مع أن هذه المعادلة قديمة إلا أنها متجددة إذ لا يمكن الإدعاء أننا قد حسمنا الأمر بها, فقد شغلت المصلحين والمفكرين منذ القديم ولكن ربما برزت وتجلت أكثر في النصف الثاني من القرن العشرين عندما طرحنا على أنفسنا سؤالاً: لماذا تقدمت مجتمعات الغرب وتأخرت مجتمعاتنا? ولكن من المنصف أن نقول: إن الاستعمار بشكل أو بآخر لعب دوراً بما اسمته الكثير من الأديبات , بصدمة الحداثة, لكن بعض المجتمعات استطاعت أن تحل مشكلاتها التنموية وتشق طريقها, فأوجدت لنفسها مكاناً في الساحة الدولية وفي ظل ما نعيشه اليوم من تعقيد وتشابك وعولمة!
تحولات الحركة الثقافية في تونس
د. الزيدي تحدث عن عشرين عاماً مضت فقال: منذ عام 1987 كان يتهددنا الكثير من المخاطر الناتجة عن أوضاع متردية في ذلك الوقت, ثم حدث تحول في الحركة الثقافية والتنموية والحضارية, عندما حمل التحول السياسي مشروعاً مجتمعياً , مقترحاً الحلول لمشكلاته على جميع المستويات , لكن المشكلة على حد قوله, هي أنه سبب نوعاً من الارتباك في المضي في مسار الحداثة الذي اختاره المجتمع التونسي فبدأ تقديم بعض النزعات التي تنادي بالتخلي عن بعض المكاسب الحداثية.
حوار الحضارات
ثم يتحدث عن قيم المجتمع التونسي التي نتجت عن الفراغ التارخي وتميزت تونس بالانفتاح على الآخر , ما قاده إلى الحديث عن ضرورة استراتيجية الحوار بين الحضارات كوجه آخر من أوجه الحداثة والمحافظة على الأصالة.
العالم اليوم بحاجة إلى معالجة اختلال موازين الكلمة ومعالجة الفجوات التي تقوم بين الشعوب, الفجوة الرقمية والفجوة التكنولوجية والمعرفية هناك من تحدث عن هوة وليس عن فجوة تفصل بيننا وبين هذه المجتمعات , ويجب الحث على ضرورة العمل المشترك للتخفيف من وطأة الفقر والمرض والحرمان, وهذه هي العوامل التي تقضي على العنف والكراهية والحقد.
هذا يساعدنا على تجاوز ثنائية التعرف بين الشرق والغرب, وهذه من وجهة رأي السلام العالمي لا يمكن أن تكون إلا بإرادة دولية للحوار المتكرر والعادل ولن يستقيم هذا الحوار إلا بالاقتناع وثم يستمد مقولة من الماضي مفادها:
- لا وجود لأجناس راقية وأجناس متخلفة لأن الرقي والتخلف نسبيان تتحكم فيهما عوامل تاريخية واجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية , كما لا توجد حضارات عليا, وحضارات سفلى ولا ثقافات خصبة وثقافات عقيمة, لكل الشعوب ثقافاتها وعراقتها وإرثها ومعاييرها وقيمها ولا يمكن أن تقام مثل هذه المقارنات إلا وأن تفضي إلى اتساع الهوة عن المجالات التنموية, ولكن أيضاً تؤدي إلى تزايد نسبة الأفكار المسبقة التي لايستفيد منها إلا دعاة التطرف والهدم والفرقة والتناحر.
ويضيف د. الزيدي:
لا بد أن نكون منتجين للمضامين وللثقافة , لأن الحداثة ليست فقط شعاراً بل هي عمل ومبادرات وأن نكون قادرين على أن ننتج النظرية وأن ننتج مسائلنا وأن نقدم صورتنا كما يجب أن نقدم لغيرنا وليس أهم وأنجح من الوسائل التثقيفية الجماهيرية ومنها على وجه الخصوص الوسائل السمعية البصرية الفضائية.
كيف نستطيع اليوم أن نقدم الصورة الحقيقية والمشرفة عن المواطن العربي الذي يسعى لبناء نفسه وضمان مستقبل أفضل لأبنائه وأن يكون له مكان دافئ تحت الشمس وأن يعم الخير كل المجتمعات, هذه هي الحداثة التي لا يمكن أن تكون شعاراً و لا يمكن أن ننظر إليها نظرة عدائية .