تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


إلى من يهمه الأمر... أودية عبقر

ثقافة
الجمعة 5/12/ 2008 م
< يوسف المحمود

(تابع) -ميلانو ألبرتو مورافيا لم يكن بالنسبة لي كشخص من سورية يعلم أن (فيليب العربي) من شهبا السورية صار أمير أحد أباطرة روما العظيمة, وأن أكثر من امرأة حمصية المولد والنشأة ذكرت بمنصب ما في سيرة تلك الامبراطورية!

ولكن أن أرى ملامح الساحل السوري فيما قطعته في يوم من آب سنة 1974 من دخول نفق من تحت مونت كارلو إلى ميلانو جو صاف منكمش إلى حد ما بشمس معتدلة أرض ناشفة منبسطة بتلال لا تتواصل فتحسب جبلاً بارتفاع ما ولا هي تتباعد فتحسب سهوباً كما بين حمص والبادية .‏

صحيح أن بقعاً من تحت صافيتا تبدو بتربة يخالطها مسحة بياض ولكنها بجملة النظر تبدو كهذه التربة من إيطاليا سمراء كالحة حيناً أو حمراء فاتحة أحياناً, إلا أنها لا تستظل كما في سورية بشجرة الزيتون بلون ورقها لا هي خضراء كالسنديان والبلوط بل هي أقرب إلى الرمادية بعدوى من الزعرور طالعاً على الأكثر بين الصخور. وألبرتو مورافيا لم يكن في البال هو من ميلانو كبعض قصصه أو من غيرها أيضاً كبعض قصصه القصيرة الأخرى ولا ميلانو كانت في الحسبان بل إني جفلت رغم الجو الصاحي بالشمس بعتمة مبانيها ربما من القدم بقدر ما أنست بشوارعها الفسيحة مرصوفة حتى ذلك الحين بالحجارة كسوق ساروجا في دمشق , الحجارة ليست كحمص( أم الحجار السود) بل هي في ميلانو كأنما جر عليها حيوان مذبوح فلوثها بدمه مخلوطاً بفرث كرشه ولكن من زمان صرف عنها القرف!.‏

أين أقف بالسيارة في ميلانو في الصيف? اتطلع في الشارع الفسيح الواسع لاسيارة تمر, ولاسيارة واقفة بجانب الرصيف أو فوقه , لامارة على رصيف يقطعون الشارع هنا ولا من هناك ولا من ناس يمشون في طوله ولاعرضه لأبصر بشرطي مرور يقول لي أنت مخالف الشارع ليس لمرور السيارات ولا الناس!.‏

اليوم هو الأحد عن بعيد أو قريب إلى الأمام ساحة افترضنا أن تكون لكاثدراثية أو هي بمعنى من المعاني كنيسة ما يسمى في دمشق بالبحرة طافحة بالماء, حمام يرف على حوافيها ويطير يحط على سطح وشرفات ما يصح أن يكون كاثدرائية وولسمعة ميلانو!‏

تمثال على فرس ترخي أذنيها برأسها واقفة ناعسة لا تنفض رأسها إذ تشد بلجام ولا رأسها يتحرك ماضية إلى غرض ما في أي اتجاه, ربما حتى لا تهز الفارس المهدل هو الآخر على ظهرها, قد يكون أحد الرجال الذين وحدوا إيطاليا أو شخصية بمزية إيطالية حديثة, ولكن الحمام يحط على تمثاله كأنه لا يرعى لتمثاله حرمة ولايقدر له مقاماً ولا هو الحمام يتواضع كمظهر التمثال المتواضع فيحط على الأرض من حول البحرة لا على التمثال بفرسه وفارسها!.‏

وقفنا ما وقفنا نهز أكتافنا أو رؤوسنا حتى لا يحط عليها الحمام يظن بنا خيراً, أو لا يرجوه من أحد واقف أو مار في ذلك المكان.‏

تقدمنا إلى ما بد لنا سوق فاكهة وخضراوات كسوق ما بين ساحة السمك وإعدادية أبي تمام في اللاذقية وفعلاً كان كذلك ولكن الباعة يقفون إلى عربات يد بمظهر متسول مسكنة وحتى لباساً!‏

الدراقن الفخم والنجاص بأبهى وأشهى جسم لم نعجب لرخص أسعاره وحسب بل عجبنا أن العملة الورقية مطبوعة بالثمن المعلوم, كما لوكانت على ورق كدش. بلا ألوان ولا أي نوع الرسم لأشخاص أو لمنظر طبيعي مميز في جغرافية إيطاليا, بما ذكرنا بمحلات طرزان أيام الحرب في صافيتا , طرزان لا يرد عملة ورقية ولا معدنية للمشتري ولايعطي لبائع سلعة بل يكتب الباقي ويمضيها على ورقة ربما كانت جلدة علبة دخان ومثل ذلك كان يقال عن صاحب ضيعة (المشرفة) فوق حمص بقليل (سيلي).‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية