تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الانقسام العربي بين الفلس والطين

شؤون سياسية
الجمعة 5/12/ 2008 م
بقلم: الدكتور نسيم الخوري

مجدداً يصح عقد المقارنة بين الحاضر والماضي.

في 16 أيلول 1947 اتفق أعضاء (لجنة تقصي الحقيقة) في موضوع فلسطين منحها الاستقلال‏

لكنهم اختلفوا حول طبيعة هذا الاستقلال وحدوده فبانت فكرتان الأولى تقوم على تقسيمها إلى دولتين عربية ويهودية يربطهما اتحاد اقتصادي توضع القدس وبيت لحم وفق مندرجاته تحت الوصاية الدولية وإدارة الأمم المتحدة وتكون فلسطين بشؤونها وشجونها انكلترا لعامين فقط يسمح خلالها بدخول مئة وخمسين ألف مهاجر يهودي إلى أراضي فلسطين والثانية كانت رافضة بالمطلق لهذا التقسيم أتذكرون من أين انطلق الصوت الرافض لهذا المخطط الرهيب?.انطلق من صوفر في لبنان المصيف العربي المفضّل لدى العرب صعوداً نحو دمشق حيث عقدت اللجنة السداسية التابعة لجامعة الدول العربية اجتماعها الطارئ بين 16و 19 أيلول الذي صدر عنه بيان فصّل في (الهدر الواضح لحقوق عرب فلسطين في الاستقلال, والخرق الصارخ للوعود الإيجابية التي قطعت للعرب, والتجاوز الفاضح للمبادئ التي تقوم عليها منظمة الأمم المتحدة بما يفرض على البلاد العربية مجتمعة مقاومة تنفيذ هذه المقترحات عبر التماس جميع الوسائل الفعالة التي تكفل تحقيق استقلال فلسطين كدولة عربية).‏

في 22 أيلول كانت سورية بلسان مندوبها (فارس الخوري) تعتلي منبر المنظمة الدولية رابطة بين السلام العالمي والقضية العربية ومحذرة من وقوع حرب مدمرة معتبرة أن مسألة فلسطين لا تقاس في مدى خطورتها لأن فلسطين قسم من سورية ولولا المطامع الاستعمارية للدول التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى لبقيت فلسطين كما كانت دائماً مقاطعة من سورية.‏

وانتقدت سورية يومذاك الإنكار الدولي على عرب فلسطين حق الاستقلال بحجة أنهم لم يشكلوا في الماضي دولة مستقلة فقالت سورية إن فلسطين كانت لثلاثة عشر قرناً مضت قسماً من الإمبراطورية العربية ثم الإمبراطورية العثمانية ولا يجوز انكار حق استقلالها لأنها فصلت عن دولة مستقلة.‏

وقد انتقدت سورية الدعاية الصهيونية والإرهاب الصهيوني اللذين يقومان على أموال وأسلحة أميركية ترسل لمساعدة المستوطنين الجدد وتعمل على دق رأس جسر معاد في قلب الوطن العربي.‏

من الثابت -كما قال-: إن يهود أميركا وخاصة نيويورك يرمون من وراء احتلال فلسطين إلى غزو العالم الشرقي كله وبسط سيادتهم عليه لاستعماره وهذه الدولة المنتظرة إذا وجدت ستكون معتمدة دائماً على يهود الولايات المتحدة الأميركية.‏

وقد هاجم مندوب لبنان كميل شمعون آنذاك مطالب اليهود التاريخية في فلسطين معتبراً أن لا علاقة لهم بها منذ عشرين قرناً ويشاركهم صلاتهم العاطفية بها المسلمون والمسيحيون مع أن اليهود لم يشكلوا دولتهم قديماً, والحضارة التي ادعوا بأنها حضارتهم أخذوها عن جيرانهم الكنعانيين والفلسطينيين والمصريين والبابليين.‏

والمعروف أن مشروع تقسيم فلسطين قد عرض على الجمعية العمومية في 26 تشرين الثاني 1947 بهدف إقراره أو رفضه وبعد ثلاثة أيام أقرّ التقسيم بأكثرية ثلاثة وعشرين صوتاً مقابل ثلاث عشرة دولة عارضت المشروع واستنكفت عشر دول وما غابت سوى دولة واحدة هي سيام.‏

هذا يعني قانوناً أن ثلثي سكان العالم آنذاك قد رفضوا التقسيم عن طريق الرفض والاستنكاف بينما وافق ثلث سكان العالم ينتسب معظمهم إلى دول صغيرة نائية لا اتصال لهم بفلسطين ولا بقارة آسيا ولا حتى بالشرق.‏

والمعروف أيضاً أن فلسطين قد انقسمت عبر هذا التاريخ الطويل بين الفلس وبيوت الطين وخصوصاً على المستوى العربي حيث تغير العرب والعالم كله وعلى المستويات كلّها ولكن اليهود وحدهم لم يتغيروا وحتماً لن يتغير الفلسطينيون في مقاومتهم وكذلك لن تتغير سورية.‏

ماذا يحصل اليوم?.‏

تحلّ الذكرى الحادية والستون لقرار تقسيم فلسطين الذي تحتفل به الأمم المتحدة باسم )اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني( حيث أقامت اللجنة الدولية المعنية بحقوق الشعب الفلسطيني المنبثقة عن الأمم المتحدة احتفالاً كبيراً في فيينا تلا خلاله مدير مكتب الأمم المتحدة في فيينا رسالة لافتة للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي أكد أن السبيل الوحيد لحل القضية الفلسطينية هو إقرار الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني مطالباً )إسرائيل( بإنهاء حصار غزة والمبادرة إلى فتح جميع المعابر وقد جاء كلامه في الوقت نفسه الذي تهدد فيه (إسرائيل) بشن عدوان هائل على قطاع غزة وتحويل أسرى حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى دروع بشرية لحماية المستعمرات من صواريخ المقاومة عن طريق إنشاء سجن خاص لهؤلاء الأسرى في مناطق سقوط الصواريخ كما تقوم بحملة تطهير عرقي في القدس.‏

وقد انضمت قضية سفر حجاج القطاع وتفشيل موسم الحج إلى قائمة قضايا الانقسام والخلاف والجدل والاتهامات المتبادلة بين حكومتي غزة ورام الله بالمسؤولية عن عرقلة سفر حجاج القطاع إلى الديار الحجازية وعدم تمكنهم من تأدية مناسك الحج للموسم الحالي.‏

وفي مدينة الناصرة في الأراضي المحتلة عام 48 تظاهر حوالي ثلاثة آلاف فلسطيني مطالبين بفك الحصار عن غزة ومناشدين الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والدول العربية إرسال سفن إغاثة للقطاع.‏

وفي مهرجان خطابي أقامته الحركة في الملعب البلدي لمدينة الناصرة, قال نائب رئيس الحركة الإسلامية الشيخ كمال الخطيب: )إن غزة حوصرت وتعرضت للتجويع لأنها رفضت التفريط والتنازل وبيع فلسطين بالتقسيط( وتابع )يراد من تجويع غزة اليوم (...) لترجع غزة إلى مصر ويطبق نظام الكونفدرالية بين الضفة الغربية والأردن ليصبح الأردن الوطن البديل(.‏

لقد شرعت (إسرائيل) في ارتكاب جرائم حرب ضد ممتلكات الفلسطينيين في القدس المحتلة وضد هوية المدينة المقدسة.‏

وهناك مجموعة من المؤسسات الصهيونية الاستيطانية وعلى رأسها بلدية الاحتلال في القدس وما تعرف احتلالياً ب (مؤسسة تطوير شرقي القدس( و )سلطة الآثار) و (سلطة الطبيعة), تشارك في الإعداد لهذه الجرائم.‏

(وهذه المؤسسات رصدت أكثر من 300 مليون دولار أمريكي لإزالة المنطقة الواقعة جنوب القدس والمعروفة بوادي حلوة وهدم وإزالة المساكن وكل المباني والآثار العربية الموجودة فيها وإعادة بنائها من جديد وفق رؤية الاحتلال ومخططاته).‏

(إن العرب لا يمكن أن يخدعوا إلى هذه الدرجة وعليهم -قال مندوب سورية منذ ستين عاما-ً أن يكونوا على حذر وأن يفتحوا عيونهم وآذانهم وأن يكونوا مستعدين وذلك ليس لسنة ولا لسنتين ولا لعشر سنوات بل لقرون إذا اقتضى الأمر حتى يتجنبوا الخطر الذي تجابههم به الأمم المتحدة وسوف لن يطمئنوا ولن يخضعوا لهذه الحالة كما أنهم سوف لن يعترفوا بها).‏

سورية ما زالت كما كانت لم تتغير مع أننا نستطيع أن نحذف الجملة الأخيرة من المقطع الأخير لهذه المقالة حيث الاطمئنان العربي والاعتراف لما نحن فيه لمسيرة لن تنتهي في الانقسام العربي بين الفلس والطين.‏

< أستاذ الإعلام السياسي في الجامعة اللبنانية‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية