وبأي صيغة وأي صفة نفعل ذلك، اسئلة لابد من طرحها هذه الايام وهي مطروحة بشكل دائم ولكن ثمة من يرى أن المثقف عامل أساس فيما يجري من تحولات بوجوهها المتعددة، هو الممهد لها،
وأحيانا كثيرة يقودها، ربما يصل بها إلى بر الأمان كما تطمح الجماهيرأو يعمل على أن تكون في واد آخر، كما هي فورات الربيع العربي، وما فعله الكثيرون من الانتفاعيين والانتهازيين من المثقفين العرب، ومن يدورون في فلكهم. اسئلة كثيرة طرحت ومازالت الاجابات عنها خجولة، ولكن هل علينا أن ننتظر حتى تأتي الاجابات الشافية الوافية، وكون من يبحث عن الاجابات أيضا ممن يعمل بالحقل المعرفي الثقافي، هل ستكون الاجابات حقيقية، ما الذي سيقدمه، ننتظر قادمات الايام، وحتى ذلك الحين يمكن لنا أن نقف عند دراسة مهمة صدرت مؤخرا عن دار الحوار باللاذقية للاستاذ الباحث حسن أحمد الذي أثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب والدراسات المهمة جدا.
(الصراع بين الثقافة والسلطة) هو عنوان الكتاب الآنف الذكر، العنوان إشكالي ولايمكن لأي باحث مهما علا كعبه أن يصل فيه إلى رؤية منجزة ونهائية، بل هو السؤال أو العنوان مفتوح وإشكالي، مادام هناك مثقف وهناك سلطة فالعلاقة بينهما هي حالة متبدلة متغيرة، لا تستقر ولايمكن ان تكون كذلك، بل من الخطأ ان تستقر، لأن الاستقرار يعني التكلس والجمود والموت، ويعني أن كليهما المثقف والسلطة قد فارقا نبض الحياة، وهذا ما ليس بصحيح، بغض النظر عما يمارسانه، ومن هنا يمكن التقرير بسهولة أن مساهمة استاذنا حسن ابراهيم احمد في هذا النقاش، هي لبنة تضاف إلى ما كتب وما سوف يكتب مستقبلا.
الثقافة والتغيير
في المقدمة المفتاحية يطرح الاستاذ حسن أحمد السؤال التالي: متى ستكون الثقافة العربية قادرة على تغيير وجه المجتمع، ومتى ستكون الثقافة العربية قادرة على تغيير وجه التاريخ، وهل ستصبح الثقافة العربية قاطرة السلطة والمجتمع فيتخلق المجتمع القادر على الخروج من اعاقته، وتكون السلطة نتاج هذه العلاقة التاريخية بين الطرفين، ما يجعل السياسة ناتجا اجتماعيا لا سلطة عصبية ؟
يقرر استاذنا حسن أحمد بعد طرح السؤالين مباشرة أن المجتمعات العربية تسير بحالة مقلوبة و تسير على رأسها وهي بحاجة إلى ان تعتدل كباقي خلق الله، ومع أنه لافصل بين حركة المجتمع وطبقاته وقواه المنتجة وبين الثقافة، فالمثقفون هم من يدشن حركة تغيير وجه التاريخ، ومن يعبر عن ارهاصات هذا التغيير كما جرى في اوروبا.
الثقافة تنتج سياسة و كما تنتج اقتصادا، لكن ليس بطريقة التحويل الرياضي اوالكيميائي والثقافة لا تنتج معادلات، الثقافة تعبر عن تحولات اجتماعية لا تشبه التي تجري في الواقع المادي مما تنتجه العلوم الطبيعية وعندما تؤول الثقافة الى حال العلوم الطبيعية تنتج سلطات حاكمة على واقع منبت عن هذه الثقافة، ولكي تنتج ما يناسبها يجب ألا تبقى ثقافة نخبة، يجب أن تصبح ثقافة مجتمع، فلا يصح أن نطبق مبادئ الآخرين في واقعنا.
وعلى مدى اكثر من 36 صفحة يناقش استاذنا حسن ابراهيم احمد ستة فصول على غاية من الأهمية هي: سلطة المثقف \السلطة الثقافية \ ثقافة السلطة \ السلطة والثقافة \ المثقف والسلطة. سلطة الثقافة \. وهي عناوين متشابكة متداخلة ربما يكون الفصل بينها نظريا لضرورات الدراسة واستخلاص الأحكام, فلا ثقافة بلا مثقف ولا مثقف بلا ثقافة، وبالتالي لاثقافة بلا سلطة، ولا سلطة بلا ثقافة و بغض النظر عن الجدلية بينهما وإلى أن تقود وماذا تنتج ومن يدفع الثمن إذا ما كانت علاقة سيئة وهي على الأعم الاغلب كذلك.
وهنا اود أن أقول وهذا رأي شخصي كتبته اكثر من مرة أن السياسي يتزين بالمثقف وقت الحاجة، ومن ثم يرميه على قارعة الطريق إن لم يكن في مكان ما، والمثقف يطمح ان يكون على كرسي السياسي، وماإن يصل إلى هذا الكرسي وغالبا يصل حتى يبدأ يمارس ما كان يعيبه على السياسي، وأول ما يقوم به هو محاولة إقصاء المثقفين الآخرين وإبعادهم إلى نقطة ميتة مظلمة بحيث يبقى هو في الواجهة، يستعذب مكاسب السلطة التي وصلها، ستجد ذلك في كل المواقع التي وصلها المثقف العربي منذ طه حسين إلى يومنا هذا، ربما تقل النسبة أو تزداد لكنها موجودة، ولايمكن إخفاؤها.
بكل الأحوال، الشكر لاستاذنا حسن أحمد ومازالت صورته في مخيلتي ونحن طلاب في المرحلة الثانوية، ثانوية فايز كرد اوغلي، وهو الاستاذ القدير والرائع، كنا نتمنى ألا نكون من طلاب شعبه التي يدرسها لأنه لايهادن في شيء،ولكنني اليوم شخصيا اشعر بغبطة كبيرة أنني أقرأ كتابا مهما له حول المثقف الذي قلت عنه ذات يوم في اجتماع هيئة تحرير صحيفتنا (إنهم فاسدون، كان ذلك ايام ما سمي ربيع دمشق) وقامت الدنيا ولم تقعد علي، العلاقة بين المثقف والسلطة هي العلاقة الشائكة التي اتمنى أن يعرفها كل قارئ من خلال الكتاب، لا من خلال عرض آرائه إخباريا وتحية لاستاذي الغالي.