زاعمة أنها مدّتْ يدها مراراً وتكراراً إلى جيرانها العرب فعادت اليد فارغة، وكانت ومازالتْ تحمّل سورية مسؤوليّة عدم خروج المنطقة من دوّامة العنف والاضطراب.
ولئن كان هذا الادّعاء قد نجح في إيجاد سوق رائجة له حيناً قصيراً من الزّمن، فإنه يجد الآن نفسه وقد غدت السوق خاوية على عروشها، وكلّ من فيها من الزبائن غادروها إلى غير رجعة، بعد أن تبيّن لهم كذب الادّعاء الإسرائيليّ وافتضاح أمره.
لقد رأى العالم وسمع ولمس كيف كان الكيان الإرهابيّ الصهيوني على الدّوام يضع العقبة تلو العقبة كلّما شعر أنّ السلام ممكن أن ينتقل من طور الوجود بالقوّة إلى طور الوجود بالفعل، مغادراً ثلّاجته التي ألقتْه فيها (إسرائيل) أمداً طويلاً من الزمن.
كانت (إسرائيل) مصرّة كلّ يوم على تقديم عشرات البراهين أنها تكره السلام شكلاً ومضموناً، والعودة إلى السلوك الإسرائيليّ اليوميّ كفيلة بتعرية كلّ ما تتخفّى وراءه من مزاعم فنّدها الواقع العمليّ الذي تطبّقه على أرض الواقع.
وعدت (إسرائيل) أنها ستتوافق على منح الفلسطينيين دولة خاصّة بهم، وأكّدت ذلك أمام كبار المسؤولين الأميركيين الذين كانوا يدركون جيّداً أنها لم تفِ يوماً ما بوعدٍ قطعتْهُ على نفسها، لكنّهم أرادوا تحسين صورتهم الممسوخة في ذهن الرأي العام العربيّ بل العالميّ، وقد شاهد العالم كلّه (إنسانيّة) الأميركيين في أفغانستان والعراق، ولمس من خلال هذه (الإنسانية) حرصهم على (الديمقراطية)وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، مهما فدح الثمن.
وعدتْ ثمّ تذكّرتْ أنّ وعدها يقوم على مبدأ (كلام الليل يمحوه النّهار)فاستردّت ذلك الوعد وأوقعت الإدارة الأميركية في حرج ما بعده حرج.
ووعدت قبل ذلك بإعادة الجولان السوريّ المحتلّ إلى سورية، ووديعة (رابين) تشير إلى ذلك، ثمّ سرعان ما تنصّلتْ من ذلك الوعد، وانطلقت تعلن أن الجولان جزء من (إسرائيل) ولن يكون إلاّ جزءً من سورية على الرغم من أنف (إسرائيل).
أمّا تآمرها على العرب فحدّث ولا حرج، ومن منّا ينسى كيف عملتْ على إدخال (الإيدز) إلى مصر رغم توقيع اتفاقيّة (كامب ديفيد) معها، ومن لا يتذكّر تآمرها على الأردن بعد توقيع اتفاقية (وادي عربة) معه؟!
اليوم تنتقل (إسرائيل) إلى مرحلة جديدة من التآمر، يمكن تسميتها بالتركيز على التآمر المستقبليّ، في محاولة لتجديد ذلك التآمر الذي تخشى أن يصبح شيئاً من الماضي، مع أننا نؤمن كأبناء أمة عربية أنّ التآمر يجري في عروقها مخالطاً الدم، وهو جبلّة راسخة فيها.
فها هي صحيفة (معاريف) في سياق مقال كتبه (ايلي افيتال) تشير إلى أنّ ((لجنة رؤساء الجامعات انتقدت مؤخّراً قراراً خطيراً وهداماً لا مثيل له ملص من تحت ناظر رادار الجمهور. فبتوصية وزارة التعليم تقرّر إخراج عدد كبير من المواضيع من قائمة مواضيع التعليم التي تمنح المتقدمين لامتحان الثانوية العامّة القصوى بمقدار 25 نقطة بعملية القبول في الجامعات، ففي المواضيع التي ستتضّرر توجد اللغة العربية وكذا «دراسات العالم العربيّ والإسلاميّ»). وأضافت الصحيفة: (إذا ما أُقرّ القرار فإنّ التلاميذ الذين يمتحنون في هذه المواضيع سيحظون في عملية القبول في الجامعات بعلامة دنيا من 5 حتى 20 نقطة وحتى هذا ابتداءً من علامة معينة فقط. من أصل 300 ألف تلميذ يتقدّمون إلى امتحانات الثانوية العامّة كل سنة، نحو 2.100 تلميذ ثانوية في القطاع الرسمي يمتحَنون بحجم 5 وحدات عربيّة ونحو 700 يتقدّمون إلى الامتحان في دراسات العالم العربيّ والإسلاميّ. في بلاد محاطة بدول تنطق العربيّة وفي سكّانها أقليّة عربية واسعة فإن هذه كمية طفيفة، وهي على أيّ حال لا تكفي كي تؤهّل جيل المستقبل من رجال الاستخبارات، الدبلوماسيين، المحللين والمستشرقين الذين تحتاجهم إسرائيل).
ولنا أن نسأل منذ متى كانت (إسرائيل) حريصة على الضّاد، ليعلو الضجيج ويكثر الهرج والمرج ويوجّه الخائفون على الضاد النقد إلى قرار كهذا؟
والجواب يقول: إنّ قراراً كهذا قد يؤدّي إلى حرمان (إسرائيل) من عدد (محترَم) من الجواسيس الذين تستطيع إطلاقهم في البلاد العربية التي يستطيعون الدّخول إليها للتجسس على شؤون البلاد والعباد، لأنّ (إسرائيل) لا يمكن أن تنظر إلى العرب حاضراً ومستقبلاً إلاّ كأعداء، حتّى لو وقّعت مكرهة اتفاقيّة سلام معهم.
وستبقى الأطماع الإسرائيليّة قائمة في أرض وثروات العرب على ما هي عليه، والسلوك الإسرائيليّ، والتصريحات الإسرائيلية تؤكّد ذلك، وإلاّ فما معنى تذكير العالم صباحاً ومساءً وصيفاً وشتاءً أنّ القدس هي عاصمة (إسرائيل) الأبديّة.
حقيقة التآمر الإسرائيليّ حاضراً ومستقبلاً حقيقة لا ريبَ فيها، وعلى العرب أن يعرفوا كيف يجب التعامل معها،والتنبّه لمكْر كيان تعوّد إتيان الأصدقاء والأعداء من الخلف لأنه لايثق في أحد، ويخاف حتّى غدره بنفسه..