تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


معــرض الخريــف الســـنوي لفنانـــي القطــــر.. رؤية وخلفية.. ورسالة مفتوحة

ثقافـــــــة
الخميس 1-12-2011
جمال العباس

يتفق معظم الفنانين التشكيليين على أن المعرض السنوي لفناني القطر الخريف حالياً- سواء بالتسميات التي عرف بها والجهات التي كانت ترعاه وتشرف عليه- كان ينظر إليه على أنه معرض المعارض وزينتها أو عيد الفنان وعرسه،

ومازالت أذكر اعتباراً من منتصف الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي وحتى سنوات خلت، كيف كان الفنانون- بصرف النظر عن عددهم- ينتظرون بلهفة المحب والعاشق موعد افتتاح هذا المعرض للقاء بعضهم بالعناق والقبل، قبل أن يشاهدوا ما حفل به المعرض من أعمالهم الجديدة.‏

ويتفق معظمهم على أن تراجعاً متصاعداً حدث في جدية الاهتمام، وآليات التنفيذ بالتسمية والتوقيت ولجان التقويم والتقييم، وتالياً بالرؤية العامة، وحصاد الحدث ومفاعليه والأسباب في ذلك كثيرة يمكن وضعها في إطارين عامين الأول ما له علاقة بحركة الأشياء وطبائعها مثل كثرة المعارض الفردية والجماعية والأعداد الهائلة من الفنانين وخريجي كليات الفنون والمعاهد وتشابك وانفلاش الاهتمام ومؤثراته بحيث لم يعد المعرض ومكانه الخيار الوحيد لمشاهدة أعمال فنان أو مجموعة فنانين أمام هذه السيولة من المعارض شبه اليومية، وملتقيات التصوير والنحت التي يديرها فنانون أو تجار متعددو الجنسيات المهنية أو المتطفلون وكذلك الفيض الكاسح من الإعلانات الملونة والمضاءة.. والإطار الثاني يرتبط بالمزاجية وردود الأفعال أو التبني الخجول في غياب استراتيجية رسمية لفنوننا الجميلة تأخذ في حسابها ثوابت ومعايير وأسساً تتناسب ودورها في الثقافة البصرية والحس الجمالي والتقدم الحضاري، وترعى الفنان وتضمن حقوقه وتكرمه بالعدل والإنصاف من خلال سجلات مضبوطة تؤرشف لمسيرة الفنان وعطاءاته بحضانة القانون وتشريعاته.‏

بهذه الإطلالة العامة والخلفية ومضمونها دخلت معرض خريف 2011 مشاركاً وقارئاً وكاتباً، ولم يكن قصدي أن انتحل صفة ناقد فني لعملية تشريحية تتطلب قدرات تحليلية وتركيبية تستند على المتابعة والرصد والمقاربة.‏

وبالتالي لا تحرك ساكناً ولاتغير شيئاً مما وصل إليه المشهد الإجمالي لهذا المعرض وآليات وحيثيات إقامته، فالأعمال جديدة لكنها لا تشكل اختراقاً للمألوف والمتداول حيث مازال النول والسدى في العمل الفني غريبين وكذلك ثقافتنا الفنية، باستثناءات قليلة يشتم منها رائحة التاريخ والجغرافية والتراث وهي الاستثناءات التي جعلت التشكيل السوري موضع احترام وتقدير في العديد من العواصم الأوروبية دون أن يرقى ذلك إلى هوية خاصة على حد رؤية الدكتور عبد العزيز علون والذي يرى أيضاً أن ظروف وشروط العصر ربما لم تعد تسمح بذلك أمام المعايير الجمالية المنشودة.‏

لذا قصدت أن اضع المشاهد والمتابع أمام جملة من المآخذ آراها في المعرض الحالي تشكل مع ما صار معروفاً بالمعوقات المرمنة التي قادت بالأسباب إلى تراجع المعرض السنوي/ معرض الخريف/ مستبقاً ذلك بإشارة إلى أن معرض هذا العام 2011 أفضل شكل ما من سابقه 2010 بداية بتاريخ استلام الأعمال وموعد الافتتاح وترتيب الأعمال وتألق بعضها إضافة إلى أريحية العرض والإحساس العام بأن القادم أفضل استناداً إلى المفارقتين التاليتين، إن هذا المعرض جاء في عهدة ورعاية وزير ثقافة جديد من أسرة الفن والثقافة، عرف بطروحاته الجادة والمخلصة كباحث ومفكر، متخصص بفنون المسرح واهتمام وتذوق بفنون التشكيل منذ عدة عقود وحتى يومنا هذا.. إن اشغاله لهذه الوزارة الحساسة ربما وبثوب متجدد يعيد إلى الأذهان ويذكر بالفترة الذهبية للفنون التشكيلية أيام الدكتورة نجاح العطار.‏

وجاء هذا المعرض ببداية إشراف لم يكتمل بعد من قبل مدير جديد لمديرية الفنون الجميلة يعول عليه: فهو فنان معروف ونحات مميز محب للعمل والعطاء، متواضع وجدير بتحمل المسؤولية.. أكثم عبد الحميد في منصبه هذا أزعم أنه يشكل جانباً من الارتياح والتطلع إلى الأفضل، وربما شعر البعض بملامح عودة لفترة خصبة وصادقة عاشها التشكيل السوري أيام نعيم اسماعيل وطارق الشريف رغم بعض الإشكاليات.‏

أما عن المآخذ التي سبق إن ذكرت كعنوان فيمكن ترجمتها حسب رؤيتي- بالنقاط التالية:‏

1- لاتحمل الأعمال جديداً مدهشاً بخلاف تحولات نحتية لصالح الخامة البازلتية وجماليات ذات مستويات عالية في بعضها جاءت حصيلة طوال التجربة وتراكماتها وتأثيراتها ما يضخه العالم المفتوح على بعضه، وأخرى تسربت إليها رائحة التاريخ والجغرافية وأشياء من التراث.‏

2- بعض الأعمال لم تكن بالمستوى المطلوب لتكون في سياق المعرض واختياراته فجاءت حشواً لامبرر له.‏

3- الرسم هو المقدمة الأولى والهيكل التنظيمي لبناء لوحة التصوير والعمل الفني بشكل عام.. فليس من المعقول أن تجد لوحة الرسم مكاناً لها في المعرض بجانب لوحة التصوير وتتساوى معها بالقيمة والعرض والاقتناء أو تتجاوزها؟!‏

4- في طريقة عرض الأعمال وترتيبها، والتي تأخذ عادة بالحسبان مواصفات أو شروطاً خاصة، جاءت هنا منسقة مع الجماليات العامة للمعرض، لكنها وبالتفقد الاسمي للفنانين العارضين يبدو أن حيفاً قد وقع- ربما كان يقع في معارض سابقة- في عدم المساواة والإنصاف ولو نسبياً في موقع عرض العمل.‏

بين بعض الفنانين الذين هم من دفعة واحدة، وبداية ومشاركة واستمرارية فنية واحدة، فنجد عمل أحدهم في بداية المعرض وآخر في نهايته، وقد يقول قائل: هناك مستويات، لكن من يجدد هذه المستويات، أليست كل المستويات وأعمال معارضنا مازالت واقعة تحت تأثير الوافد الغربي مع بعض الاستثناءات كما ورد سابقاً، وفي حالة أخرى نجد مكان اللوحة يتحدد نسبة لاعتبارات لاعلاقة لها بقيمة العمل..‏

5- غياب العديد من الأسماء المعروفة ودائمة المشاركة والتواجد، وتزايد أعدادها بصورة لافتة، وتفشي ظاهرة التردد واللامبالاة.‏

6- الحضور المتواضع للجمهور والمهتمين بالتشكيل رغم توسع دائرة الفنون ومراكزها ومنشآتها وطلابها..؟‏

7- إشراك اسماء شابة في معرض الخريف وهو خاص بالكهول عوضاَ عن مكانها في معرض الربيع، يعتبر خرقاً لمواصفات المعرضين والمدلول اللفظي لهما..‏

8- تفاوت بيّن في صور الأعمال نسبة لمقاساتها الحقيقية في الدليل الجميل والمميز لمعرض 2011،حيث بدت الصورة الكبيرة لعمل صغير متعارضة مع الصورة الصغيرة لعمل كبير على صفحتين متقابلتين رغم مقاسها الحقيقي أسفل الصورة، الخريف والربيع تسمية لمعرضين بتوقيت الفصلين أخذنا بهما تقليداً لوافد جاءنا بالأصل من فرنسا، الأول كان يقام في دمشق والثاني في حلب يشارك فيه كل الفنانين دون أي اعتبارات عمرية.. وقبل العودة لهذين المعرضين بتسمية ورؤيا أخرى منذ سنوات قليلة تفصل بين أعمال فنانين في ربيع العمر وفنانين في خريفه.. شهدت سورية ولعدة سنوات ممثلة بوزارة الثقافة رسمياً تنظيماً لمعرض واحد كان يحمل اسم المعرض السنوي لفناني القطر العربي السوري.‏

وعلى ضوء ماسبق ومارافق ذلك من تداخلات وتقلبات وغموض في الرؤيا والنتائج، وأهمية توحيد الجهد يصبح من الأفضل العودة إلى المعرض الرسمي الواحد لكل الفنانين بلوائح قبول شفافة ومعايير جمالية راقية تأخذ بجودة العمل وقيمته الفنية.. وبذلك أعتقد أننا نصوب حالة ربما أساءت مع جملة من المعوقات للعمل الفني أو حاصرت مؤثراته الجمالية والتربوية ولعل منها:‏

1- ذلك الصراع الخفي بين مديرية الفنون الجميلة في وزارة الثقافة واتحاد الفنانين التشكيليين وضرورة تحديد مهام كل منهما.. وشخصياً أرى أن ما يخص المعارض وكل النشاطات التشكيلية هو من مهمات المديرية، وإن الدور الأساسي لاتحاد الفنانين هو الدفاع عن الفنان وحقوقه المشروعة دون أن يمنع ذلك نشاطات خاصة تأخذ بها عادة المنظمات الشعبية ولاتشكل تصادماً مع المديرية.‏

2- حتى لايبقى نشاط الشخصية التي تتولى مديرية الفنون الجميلة مرهوناً بالتحرك الذاتي وتقلباته لابد من «خريطة طريق» ملزمة تأخذ بالرسم الاستراتيجي لفنوننا الجميلة، وقد سبق أن دعوت لاستراتيجية دولة لهذه الفنون.‏

3- إن غياب الأسس والضوابط والثوابت في عملية تكريم الفنان التشكيلي جعلت هذا التكريم في حالات عديدة قائماً على تزكيات غير منصفة لم تأخذ بالأقدمية والحضور والمتابعة، ناهيك عن المبادرات العملية عند البعض في بناء الصروح الفنية والركائز التعليمية في أماكن تواجدهم.‏

ما سبب انعكاسات مازال طعمها مراً في حلوق كثيرين.لذا فإن استعادة زمام المبادرة والعمل الجاد على إحداث أرشيف عصري للفنان التشكيلي السوري توجه يستحق الاهتمام، وبه تطوى أكثر من ثلاثة عقود من المبادرات الفاشلة قدم فيها الفنان جملة الأضابير لمشروع الأرشيف دعت إليه عدة جهات ولم ينفذ حتى هذه اللحظة.‏

4- منذ عدة سنوات وموضوع لجان التحكيم مثار انتقادات شديدة من أهمها افتقارها للموضوعية والحيادية في قبول الأعمال واقتنائها والتفاوت في تعميمها المادي.‏

فلايعقل مثلاً أن يكون بين أعضائها ممن هم يشاركون بالمعرض، لذا لابد من العودة إلى الأصول الناظمة لمثل هذه الحالات والاستعانة بذوي الخبرة والكفاءة والاهتمام، وسورية غنية بمثل هؤلاء.. وإذا تعذر ذلك لسبب أو لآخر يمكن الاستعانة بفعاليات شقيقة أو صديقة.‏

5- في المحافظات الكثير من الكوادر الفنية والقيادات التي شكلت ريادات في عملها الفني ومؤسساته التعليمية يفترض أن تتاح لها المشاركة الحقة واستثمار خبراتها و مصداقيتها في الحضور والعمل، ولا يجوز تجاهلها وتغريبها.‏

6- عدم ثبات الحضور الرسمي في المعارض الخاصة الذي كان معمولاً به سابقاً واقتصاده على حالات ضيقة وربما شخصية.‏

7- تلاشي مفهوم وتقليد رعاية المعارض الذي كان قائماً على رعاية الوزير أو رعاية الوزارة حسب أهمية الفنان إلى رعاية الوزارة لكل الفنانين بلا استثناء.‏

في هذه المواجع وبدائلها المقترحة تعيش وتنمو تطلعات حالمة بقلوب عامرة بالحب، وعقول غنية بالفكر إلى جانب ثوابت عريقة لها التقدير والاحترام مثل الحرص على إقامة المعرض سنوياً وإصرار الدولة ممثلة بوزارة الثقافة ومديرية فنونها على رعايته واقتناء العديد من أعماله.‏

لقد أردت أن أصل إلى تفاصيل ما خلف الأشياء وانعكاساتها، لتكون الرؤيا - كما أرى- سليمة لما هو داخل الأشياء وأمامها، لمعرض الخريف السنوي: رؤية وخلفية ورسالة مفتوحة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية