وفي طليعة هذه المعادلة، الالتزام بمتطلبات المواطنة من خلال الحرص على الوطن. والوطن لا يعني، بشكل أو بآخر، هذه المساحة أو تلك من الأرض، بل يعني الأرض بكامل أبعادها، بدءاً من ذرة تراب وصولاً إلى أعلى نقطة على جبل وأقصى بعد في سهل حتى عمق البحر.
الكرامة بهذا المعنى تمكن المواطن من أن يمتلك قراره الوطني من جهة، ومن جهة ثانية تمكنه من أن يتخطى حاجز الخوف والتردد دفاعاً عن حضوره في الحياة لا مجرد وجوده كأي كائن، حيواناً مفترساً كان أم نملة مسالمة تدب على الأرض تقتصر وظيفتهما في الحياة على تناول الطعام وإنجاب الذرية إلى أن يأتي زمن رحيلهما عن سطح الأرض.
من هنا يبدو منطقياً الفصل بين حضور يؤكد ذات صاحبه وبين مجرد وجود يقارب ظاهرة سقوط ورقة من على غصنها مع أول هبة ريح. ومن هنا أيضاً تندرج فكرة النضال من أجل البقاء للأفضل لا للأقوى فحسب، ولمن يمد الآخرين بروح التفاؤل لا التشاؤم، وبذلك يكتسب النضال، كمقولة عملية، يكتسب دوره في تحصين المواطن وحماية الوطن من العبث بمقدراته من أينما كان مصدره.
وفي سياق الانتماء الحقيقي إلى الوطن، على أرضية الانتماء إلى المواطنة، تتبلور القضايا التي يؤمن بها الإنسان ولا يمكن أن ينتزع أحد تبعات مثل هذا الانتماء منه أو أن يلغي مفاعيلها في حياته بوصفه كائناً جاء إلى الحياة ليؤدي دوراً داعماً للآخر.
وبطبيعة الحال فإن للمصاعب في حياة الأمم، منذ قدم الأزمان حتى اللحظة، أسبابها الموضوعية كذلك أسبابها الذاتية. وكما هو معروف فإن الأسباب الذاتية هي من صنع الإنسان ولهذا تبقى ثمة حاجة لتحصينه بما تمتلك الدولة من إمكانات توعيته على مستويات مختلفة بينها وسائل الإعلام ووسائل التربية ووسائل الاتصال المعروفة في وقتنا الراهن، حتى تجنب أبناءها الانخراط في ممارسة الخطأ الذي يجر إلى الخطأ. ولكل هذه الاعتبارات نزداد شعوراً بوجوب أداء المسؤولية المترتبة على عاتق مؤسساتنا التوجيهية عموماً، وصولاً إلى يوم الخروج مما تعاني منه بلادنا حالياً، وإن كانت هذه المعاناة ظرفية أو وقتية بتعبير أصح.
Dr.louka@maktoob.com