ردود أفعال مختلفة في الواقع الأمني والسياسي في الكيان الصهيوني ، فبرغم الصمت المطبق الذي فرضته وسائل الإعلام الإسرائيلية على نفسها حيال سقوط شبكاتها التجسسية في لبنان قبل فترة وجيزة خشية الإضرار بسمعة أجهزة استخباراتها وعملائها، تناول عدد من المعلقين الإسرائيليين هذه القضية.فقد قال العقيد احتياط، شلومو موفاز، الذي ترأس في السابق ساحة لبنان في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية،:» إن ما حدث في لبنان أخيرا، حيال سقوط شبكة تجسس اميركية على يد حزب الله، ليست الأولى، ففي نهاية العام 2008ـ 2009 و2010 كان هناك عدة تقارير عن عدة شبكات، ليست واحدة أو اثنتين بل ثلاث شبكات، لكن ما نشر أخيرا، ويبدو موثوقا جداً، يأتي من عدة مصادر، داخل الإدارة الأمريكية، وإذا كان هذا صحيحاً، فهو ضربة للـ سي آي إيه.
قدرات هائلة
وقال موفاز أن حزب الله، في الواقع، يظهر وأظهر سابقاً، قدرات متقدّمة جداً تكنولوجية ومهارات محترفة أيضاً، وعليّ أن أشير إلى أنّ حزب الله قام بترميم كبير جداً لوضعه بعد حرب لبنان الثانية. حزب الله في الواقع يعمل مع شبكات أمنية شديدة الصرامة، اليوم لا يمكن بشكل عام أن تنضم إلى صفوف حزب الله دون تحقيق عميق ليس موجوداً لدى الدول، والى الدوائر القريبة، تستطيع الدخول بحسب قربك من العائلة أو موصى بك أو بسبب معرفتك بهم بشكل شخصي وهنا أيضاً على مراحل في سياق تحقيق وتدقيق عميق جداً جداً.
وعن حجم الخسارة الاميركية الاستخبارية في الساحة اللبنانية، أكد موفاز أن :«القلق الأساسي يتعلق تحديداً بسقوط عملاء لبنانيين أو أشخاص مقيمين في لبنان. ورغم أنه لم يجر القبض على أي من عملاء السي آي إيه من الاميركيين، لكن المشكلة هي في أن الاستخبارات عملت على بناء شبكة تسمى بالمصطلحات المهنية شبكة مصادر بشرية. ويستلزم ذلك جهداً وعملاً طويلي الأمد لبناء الثقة مع العملاء وتمكينهم من وسائل الاتصال والربط، أي ما يسمّى المعلومات الحيوية، بما يشمل نقل خبرات ومهارات إليهم. وهذا كله يتطلب وقتاً وجهداً، ما يعني أن سقوط المصادر البشرية هو ضربة قاسية جداً، لأن جهاز الاستخبارات سيضطر إلى تغيير أساليبه المتّبعة، وأيضاً البدء من جديد».
سقوط استخباراتي أميركي
من جهتها، وصفت القناة الثانية الإسرائيلية، السقوط الاستخباري الأميركي في لبنان، بأنه «سقوط صعب وقاس»، وأشار مراسلها في واشنطن، أهارون برنياع، إلى أن «الاستخبارات الأميركية قلقة جداً من فقدانها معلومات أساسية وحساسة عما يجري في لبنان، وعن الحرس الثوري الإيراني الذي يدعم حزب الله، وأيضاً سيغيب عنها ما يجري في داخل إيران، وما يرتبط بالبرنامج النووي الإيراني». وبحسب مراسل القناة للشؤون العربية، يارون شنايدر، عمل حزب الله منذ سنوات، استناداً إلى تقديره أنه «هدف حقيقي وواقعي لجهات عديدة تعمل على اختراق صفوفه، الأمر الذي استدعى منه زيادة مستويات الحيطة والحذر، وتكثيف الجهد المضاد لكشف العملاء وصدهم، وعلى ما يبدو، فقد حقق نجاحاً على هذا الصعيد».
خيبة أمل
بدورها، أكدت القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي، «خيبة أمل الاستخبارات الأميركية»، وأشارت إلى أن «الفشل الذي منيت به واشنطن في لبنان، أضر بنحو قاس بقدرة الولايات المتحدة على جمع المعلومات في الشرق الأوسط». وبحسب مراسل القناة للشؤون العسكرية والأمنية، يؤاف ليمور، فإن السبب المباشر وراء الفشل الاستخباري الأميركي، يرتبط تحديداً «بتقنية تعقب متطورة موجودة في لبنان، زودت الولايات المتحدة اللبنانيين بها، وهي منظومة قادرة على تحليل الاتصالات الخلوية، إلا أن السي آي إيه هي التي دفعت الثمن أخيراً في نهاية المطاف»، مضيفاً أن «القضية لن تؤثر سلباً على إسرائيل، لكنها تمثّل صفعة جديدة للولايات المتحدة ولهيبتها، التي هي في الأساس مسحوقة في المنطقة».
ويقول في هذا الاطار يارون لندن الاعلامي من القناة العاشرة لتلفزيون العدو: «الاتهامات والسمات الشخصية للذين سقطوا من افراد الشبكات بيد المخابرات اللبنانية تُعدُ مقنعةً جداً، وهذه ليست اختراعات، هناك قصص مُقْنِعة مثل أولئك الذين يفرون عبر الحدود، او العميد الذي لديه شركة سياحية، او الصحافي الذي موَّل الموساد خسائر صحيفته. فاذا كان كل هذا العدد سقط خلال عدة أسابيع بيد أجهزة الاستخبارات اللبنانية المضادة، فهذه تعد كارثة».
عدم مهنية (سي اي ايه)
الصحافة الإسرائيلية وان أقلت في الحديث عن هذا الموضوع في تحليلاتها ، فقد جهد بعض معلقي الصحف في التأكيد أن السقوط الاستخباري الأميركي، كان نتيجة لعدم مهنية السي أي ايه، والتقديرات الخاطئة لواشنطن، في ما يتعلق بقدرة حلفائهم في لبنان وان الاستخبارات الأمريكية أصيبت بالعمى بعد الاستخبارات الإسرائيلية في لبنان على حد تعبير صحيفة هآرتس.
فتحت عنوان رعب الجواسيس، أكدت صحيفة يديعوت أحرونوت، أن:«اعتقال العملاء التابعين للاستخبارات الأميركية في لبنان، دليل إضافي على التحسّن النوعي الذي طرأ في العقد الأخير على قدرات محور الشرّ، في مواجهة مساعي التجسّس والإحباط من جانب الغرب»، مشيرة إلى أن «كلاً من إيران وحزب الله، طورا خلال السنوات القليلة الماضية قدرات خاصة على مكافحة التجسس، عبر التحلي بالصبر وضبط النفس والكثير من المناورة، ما مكن الطرفين من استغلال الثُّغر في منظومة الحماية لدى أجهزة الاستخبارات الأميركية، لإحباط أنشطة معادية وكشف عملاء».
هزيمة استخباراتية
وفي تناسٍ واضح للهزيمة الاستخبارية الإسرائيلية في لبنان، خلال السنوات القليلة الماضية، أكدت الصحيفة أن «خطوات الحماية التي اعتمدتها السي آي إيه لعملائها، لم تكن كافية؛ إذ إن الوكالة، على خلاف الاستخبارات الإسرائيلية، تفتقر إلى الخبرة في العمل التجسّسي، الأمر الذي عرّض عملاءها للاعتقال، وسمح لحزب الله بالنجاح في كشفهم وتفكيك جزء من شبكات التجسس التابعة للأميركيين في لبنان».
وفي السياق نفسه، قال المعلق والخبير الإسرائيلي في شؤون الاستخبارات، رونين برغمان،في مقال له:« إنه جرى تجنيد المخبرين في منطقة الهدف، وضمن دوائر قريبة وعلى صلة بحزب الله، لكن ما حدث يشير فعلاً إلى أن الجهات المشغلة كانت تعمل عملاً غير مهني وهاوياً جداً جداً، ما مكن حزب الله من كشف المجندين، الذين اتضح أن بعضهم كانوا عملاء مزدوجين، ولم يزودوا الأميركيين بمعلوماتٍ مهمة». وبحسب بيرغمان، فإن «السبب وراء الفشل الأميركي يرتبط بالمساعدات الأميركية الهائلة للحكومة اللبنانية بين عامي 2006 و 2008؛ إذ اعتقد الأميركيون أنهم يتعاملون مع حكومة سنّية معتدلة وقوة وازنة في مواجهة حزب الله، وقد تضمنت المساعدات أجهزة إلكترونية للمراقبة وتحديد المواقع والتعقب، وهي الأجهزة نفسها التي استفاد منها حزب الله». وأضاف بيرغمان أن «إسرائيل حذرت في الماضي الأميركيين، بصوت عال جداً، من أن هذه الأجهزة ستصل في نهاية المطاف إلى أيدي حزب الله، وستُستخدَم لتحقيق أهدافه العدائية، وهذا ما حصل تماماً».
سقوط الرأس المحرك
وقال بيرغمان إن «الأجهزة الإلكترونية الأميركية والأوروبية المتطورة، التي سمحت واشنطن بإيصالها إلى لبنان، هي نفسها يديرها ضباط يعملون حالياً تحت إشراف لصيق لحزب الله»، وأكد أن «لبنان حالة خاصة، وهو عالم مصغر عن كل الشرق الأوسط ويعج بالعملاء، بل يمكن إحصاء العملاء في هذا البلد بالكيلومتر الواحد، تماماً كما يجري اعتماده لإحصاء السكان».
ويضيف رونن برغمن في هذا المجال: «هذه الشبكات تعمل منذ نهاية حرب لبنان الثانية حيث ظهرت الحاجة الإسرائيلية على ضوء العمى الاستخباري الذي تعرضنا له في تلك الحرب مقابل حزب الله. وقد شمل تقرير فينوغراد الحديث عن نقص في المعلومات الاستخبارية حيث طُلب من الشبكات جمعُ معلومات عن أماكن وجود حزب الله وعن أعضائه وقواعده، وذلك لتوفير معلومات تسمح للوحدات الخاصة بالدخول إلى لبنان، او لتتمكن وحدات سلاح الجو من شن هجمات، وذلك لكي تواجه إسرائيل حزب الله بشكل أفضل».ورجح برغمان أن يكون هناك نوع من الارتباط بين هذه الشبكات ما أدى الى اكتشافها بعد سقوط الرأس المحرك لها.
انهيار الشبكات
ويخلص برغمان في هذا السياق ويقول: «هناك فرق في أسلوب التشغيل فهناك شكل استخباري قائم على تشغيل عميل لمرة واحدة، وهو إذا سقط فإنه لا يكشف إلا نفسه. لكن المشكلة ان ضباط التجنيد في الموساد والوحدة خمسمائة واربعة التابعة للاستخبارات لا يستطيعون الدخول الى لبنان. لذا فإن قدرتهم على التجنيد محدودة. عندها يستعيضون عن ذلك بشخص يقوم بتجنيد شبكة كاملة تعمل تحت إمرته، ولكن إذا سقط فإنه سيكشف كل الشبكة».كما لم يستبعد برغمان ان تكون الأجهزة اللبنانية حللت شيفرة أجهزة الاتصال في بعض الشبكات والتي تحوي تفاصيل متشابهة مع الشبكات الأخرى، ما أدى الى انهيار هذه الشبكات أيضا.