لو كانت هذه الخيارات تتعارض مع ما تشتهيه وتسعى إلى تحقيقه من مصالح في بلدان هذه الشعوب المقهورة والمحتلة أراضيها بأدوات ووسائل عسكرية تقدمها أميركا, في كثير من الحالات مجانا كما تفعل مع حليفتها المدللة إسرائيل?وهل ما زال هؤلاء السادة السياسيون المروجون لرسالة أميركا الخبيثة بأن شعوبهم يمكن أن تنطلي عليها مثل هذه الخزعبلات والفذلكات الكلامية الخالية من كل معنى ومضمون?
إذا كانوا فعلا كذلك, فإنه البؤس الحقيقي لمثل هؤلاء الساسة الذين لا يرون أبعد من أنوفهم, ولكن الحقيقة غير ذلك لأن السياسة الأميركية وخاصة في المناطق الأكثر حيوية بالنسبة لمصالحها البراغماتية, لا يوجد فيها أي غموض ولا أي التباس, وإذا ما استمر هؤلاء الموالون لأميركا وسياستها بطمس رؤوسهم في الرمال, فإن شعوبهم قادرة على فضح عوراتهم البينة للجميع, هذه العورات التي استطاعوا تغطيتها لفترة بأغطية بالية ممزقة سرعان ما أصابها الاهتراء فأظهرت على حقيقتها, ولكي لا نبقى في إطار التنظيرات, رغم أهميتها لننظر إلى الوقائع الفاضحة التي لم يعد أي عاقل مهما كان انتماؤه السياسي أن يتستر عليها مهما بلغ من حنكة ودهاء وخبث سياسي, لا يلجأ إلى هذه الأساليب سوى من يعتقد أنه قادر على استمرار التضليل والتزييف وخداع النفس والشعب معا.
إن السياسة الأميركية ترتكز أساسا على منطقة القوة واستخدام سياسة الترغيب والترهيب في آن واحد, المهم أن تصل إلى حالة تتيح له فرض هيمنتها وتحكمها بمصائر الشعوب إلى حيث تحقيق مصالحها في وضع اليد على الثروات والخيرات وخلق الأرضية المناسبة للاستمرار في هذه السياسة حتى تستنزف تلك الخيرات والثروات وبعد ذلك يمكن أن تلقي بمن تعاون معها في مزابل التاريخ, وهذا يحصل عادة, عندما لم يعد من فائدة من هؤلاء الخدم لأنه لم يعد هناك ما يمكن أن يقدموه لها من خدمات, فأميركا ليس لديها أصدقاء ولا يوجد لديها مبادىء أخلاقية للوفاء لمن خدموها, وحتى هؤلاء أنفسهم يتحدثون بأنه لا يوجد لدى أميركا صداقات ويمكنها أن تنقلب على أقرب المقربين إليها, فيما إذا شعرت بأن هؤلاء المقربين لم يعد منهم نفعاً لمصالحها الواقعية الملموسة وهؤلاء يدركون بأنهم مجرد أرقام في المصالح الأميركية, وليس من شيم أميركا الإخلاص للعهود والمواثيق والعلاقات الودية أو احترام من يصادقها ويسمع كلمتها فمفردات قاموسها تنطوي على مفاهيم ومصطلحات تنحصر حكما في الجدوى الاقتصادية من كل هؤلاء (الأصدقاء) والحلفاء والشركاء الأقزام: فقانونها المبرم هو منفعتها ومصلحتها, أي مصلحة شركاتها الكبرى التي لا ترحم أحداً, فعندما تشعل الفتنة وممارسة القتل وسوء معاملة الناس البسطاء ومعاملة من لا يتفق معها بأسوأ الأساليب السياسية والعنف والحروب, فإنها تجسد شعارها الدائم الصادق جدا: كل من ليس معها فهو حتما ضدها.
ولا خيار ثالثاً لديها, ويكفي إلقاء نظرة إلى ما فعلته بالعراق وما تفعله حتى اللحظة, لتتكون قناعة بأنه لم يكن حتى في واردها منذ البداية أن هدفها تخليص الشعب العراقي من حالة الاستبداد التي كان يعاني منها في السابق, بل لو كان المستبدون على استعداد لخدمة مصالحها فإنها أول من تشجعهم وتأخذ بيدهم وتقدم كل ما يلزمهم من قوة للحفاظ على سلطانهم.
ولو كان هدفها غير ذلك انسحبت من العراق وتركت شعبه يقرر مصيره بنفسه ولكي لا تفعل ذلك فقد أخذت تستعين حتى بممارسة الإرهاب تحت شعار مكافحة الإرهاب الذي كان وجودها كدولة محتلة سببا رئيسيا لتوسعه في أرض العراق الطيبة و هذا الإرهاب ليس له علاقة من قريب ولا من بعيد بالمقاومة الوطنية البطلة التي توجه نشاطها وكفاحها الباسل ضد أميركا بوصفها قوة همجية تحتل أرض الوطن العراقي, وفي أماكن أخرى من أوطان هذه المنطقة تمارس كل الموبقات والاتهامات والانحياز إلى جانب طرف على حساب طرف آخر تحت شعار عدم التدخل بالشؤون الداخلية, بينما سفيرها يعمل وكأنها مندوب سامي لا يختلف عن الممارسات الاستعمارية في العهود السابقة, فيتدخل بالصغيرة والكبيرة ويقول إن بلاده ضد التدخل بالشؤون الداخلية, يعلن مندوب أميركا بأن بلده تقف إلى جانب هذا الطرف ضد الطرف الآخر ويتحدث في نفس الوقت عن عدم التدخل, فهل هناك من عهر سياسي وديماغوجي أكثر من ذلك?!!
البعض يدرك أن نجم أميركا آخذ في الأفول, كما يقال, وتعيش حالة كابوس دائم في العراق وتبحث عن مخرج من المستنقع الذي أخذت تغوص فيه أكثر فأكثر وفي بلدان أخرى تعرت تماما كقوة استعمارية غاشمة, وأصدقاؤها إذا لم يستدركوا أحوالهم سيلاقون نفس المصير الذي تواجهه قواتها في العراق وأفغانستان وهناك مثل يقول (للكذب أرجل قصيرة) وهو ترجمة للمثل العربي الشهير (حبل الكذب قصير) وشعوب أميركا اللاتينية وشعب العراق وفلسطين وشعب لبنان المقاوم يعرفون من خلال تجربتهم الخاصة أن أميركا ليست كلية القدرة وهزيمتها وانتصار حرية واستقلال الشعوب محتمة لا مفر منها مهما بلغ الثمن .