وكان يصل صوت المطربين إلى أذنه وهو في بيته , فلماذا لا يتحدث الناس عن مثل هذا المسرح ? لماذا لا يتحدث مؤرخو الفن ونقاده عن مسرح طويل وعريض , عاش في أواخر العشرينيات في دمشق ?.
وحكى لي الفنان نفسه أنه في عصر السينما الصامتة في دمشق كان يسبق العرض عزف بالأبواق على باب دار السينما قبل أن ينادي المنادي (لحقوا يا شباب أفلام آخر موديل) , ولم أجد أي كاتب أرّخ للسينما الوافدة إلى بلادنا في مطلع القرن العشرين وتحديداً في العقد الثاني وأشار إلى هذه الواقعة التي عاشها فناننا الكبير المولد عام 1917 , وفي معرض حديثه عن المعين الذي استقى منه فنه , ذكر أن الحكواتية والكركوزاتية هم أساتذته الحقيقيون , وقال بالحرف الواحد : ( لقد تتلمذت على أيدي الأخوة الثلاثة الكركوزاتية أبي عادل وأبي خالد وأبي صياح حبيب .. كنت أراقبهم وأنا في الرابعة من عمري وألتقط من شفاههم الفن الذي حفظته عن ظهر قلب ولولاي لضاع واندثر) . أما عن الحكواتية فقد قال : (هؤلاء هم سحرة فن القول , أنا أتحدث عن الحكواتية الذين لم يبق منهم أحد)
فهل من سبيل ونحن أمام احتفاليتنا بدمشق عاصمة للثقافة العربية أن نكتب عن هذين الفنين وأصولهما ونحاول إلقاء الضوء على نصوص للحكواتي والكروكزاتي , مع تسجيل لطرائف هذين الفنين .
إن تراثنا حافل مملوء , ينتظر من يكشف عنه الغطاء وفنانونا الكبار والمخضرمون عارفون بأمور يجهلها الفنانون الشباب , وإذا كان لنا أن نفيد حركتنا الفنية فلنعتمد على أمثال الفنان الكبير تيسير السعدي ليدلنا على مواضع الخطأ في مسيرتنا ومواضع الصواب , ويلقي علينا محاضرات بما عرفه وشاهده , فهو كنز تراثي كبير .