لأن الكبير يفترض تجمع دول وشعوب المنطقة في اتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي، أو أي شكل آخر، وسيكون هذا الاتحاد بما لديه من موارد وطاقات بشرية كبيرة وثروات طبيعية هائلة، بما فيها أكبر مخزون نفطي في العالم، وأيضاً سيطرته على عدد من أهم الممرات المائية، سيكون قطباً آخر في المعادلة (الجيوسياسية) الدولية، ما يزيد مشكلات القطب الواحد الحالي الذي ينظر بحذر وترقب شديدين نحو أقطاب جديدة في العالم، والتي عاجلاً أو آجلاً، ستحد من المجال الحيوي للقطب الواحد.
وقد أشار العديد من الكتاب العرب إلى وجود مخطط إسرائيلي- أميركي يستهدف إعادة تقسيم المنطقة من جديد، وإحياء فكرة إقامة دويلات جديدة في منطقة الشرق الأوسط.
يقول الدكتور مطلق سعود المطيري: لقد قامت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بطرح هذه القضية والحديث عنها وبتوسع في سياق تقرير خاص أعده أحد كبار محللي الصحيفة للشؤون السياسية وهو الكاتب ألوف بن تحدث فيه عما أسماه بتوجه إسرائيلي لرسم ملامح الخريطة العربية الجديدة على ضوء المظاهرات المتصاعدة، وتقسيم العالم العربي إلى دويلات صغيرة، استهله بتأكيده على أن الثورات والحروب التي تشهدها الدول العربية حالياً لن تؤدي إلى تغيير الأنظمة الحاكمة فحسب، وإنما ستؤدي إلى إعادة تصميم خريطة المنطقة كلها، مشيراً إلى أن منظومة الحدود بين تلك الدول، التي كانت إرث القوى العظمى الاستعمارية التي تقاسمت فيما بينها إفريقيا وقطعت أوصال الإمبراطورية العثمانية ، توشك على التغيير، قائلاً: «ها هي صراعات البقاء تبشر بالنهاية القريبة لاتفاق سايكس- بيكو من الحرب العالمية الأولى- الذي نشأ عنه التقسيم السياسي للشرق الأوسط، مؤكداً على أنه خلال السنوات القريبة القادمة ستظهر على خريطة المنطقة أعلام دول مستقلة جديدة، أو متجددة: جنوب السودان، كردستان، فلسطين، الصحراء الغربية التي ستنفصل عن المغرب، جنوب اليمن المستعاد، وإمارات في منطقة الخليج تنفصل عن الاتحاد».
الأخطر من ذلك أن الكاتب الإسرائيلي ذاته راح يتحدث عما أسماه باحتمالات فصل الأماكن المقدسة عن محيطها العادي في الشرق كما تحدث عن تقسيم بعض الدول مذهبياً، وقال إنه على ضوء ذلك سيكون التقسيم مبدأ أساسياً لتقرير مصير الشعوب والقبائل في الوطن العربي.
ووصف الكاتب الإسرائيلي الخريطة الجديدة بأنها ستؤدي إلى بناء منظومة علاقات جديدة بين دول المنطقة، وتحمل في الوقت ذاته فرصاً كبيرة لإسرائيل، التي قامت سياستها الخارجية على النزاعات بين الجيران العرب والمسلمين، زاعماً أن الوحدة العربية والإسلامية تعتمد بقدر كبير على العداء لإسرائيل، لذا تفضل تل أبيب لهذا الغرض القوميات المنفصلة لجيرانها، فكلما كانت دولاً أكثر في المحيط، سيسهل عليها المناورة بينها.
وبناء على ما سبق فالمتوقع أن يتجه الـ (سايكس- بيكو) الجديد إلى إنشاء دول ودويلات وكانتونات ومقاطعات، وأقاليم صغيرة متصارعة مع نفسها ومع محيطها، ضعيفة وهشة، غير قادرة على البقاء والعيش دون حماية أميركا وحلفائها، وسيجري كل هذا تحت شعارات براقة من : حق الشعوب في تقرير مصيرها، إلى :الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والشفافية، والتي يمكن إدراجها جميعا تحت: ( كلمة حق يراد بها باطل).
وقبل أسابيع قليلة أكد الكاتب والمحلل السياسي «محمد حسنين هيكل» أن ما يشهده العالم العربي هذه الأيام ليس «ربيعاً عربياً» وإنما (سايكس- بيكو) جديدة لتقسيم العالم العربي وتقاسم موارده، منوهاً أن الثورات لا تصنع، ويستحيل أن تنجح بهذا الأسلوب باعتبارها فعلاً لا يتم بطريقة «تسليم المفتاح» من قوى خارجية تطلب السيطرة ولا تريد إلا مصالحها فقط، ولا يصح أن يتصور أحد أنها بعد المصالح تريد تحرير شعب.
وأشار «هيكل» إلى أن ما نراه الآن ليس مجرد ربيع عربي تهب نسماته على المنطقة، وإنما هو تغيير إقليمي ودولي وسياسي يتحرك بسرعة كاسحة على جبهة عريضة ويحدث آثاراً عميقة ومحفوفة بالمخاطر أيضاً.
واستطرد هيكل قائلاً: سايكس بيكو الأولى كانت خطاً على خريطة، يصل من (الكاف) إلى (الكاف). الكاف في عكا والكاف في كركوك ويفصل الشمال.. هذه المرة ليس هناك خط فاصل، وإنما هناك مواقع متناثرة.. التقسيم في المرة الأولى كان تقسيماً جغرافياً وتوزيع أوطان، ولكن التقسيم هذه المرة تقسيم موارد ومواقع، وبوضوح فإن ما يجري تقسيمه الآن هو أولاً النفط وفوائضه.. نفط وفوائض ليبيا بعد نفط وفوائض العراق.
فتعالوا.. نقرأ جيداً ما يدبر لنا ما بين السطور وما خلف السطور.. لنصل إلى ما في الصدور.