أن يرى النور مطلع العام القادم ليكتمل بحسب التوقعات في العام 2015 بعد انضمام عدد من الدول الأوروبية والآسيوية إليه ، وقد ولد هذا المشروع نتيجة لتلك الجهود المضنية لدوله التي ترتبط فيما بينها بمنظمة رابطة الدول المستقلة التي أنشئت قبل عشرين عاما في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي والتي وقعت بداية العام الحالي اتفاقية الاتحاد الجمركي الذي كان الممهد الأساسي والقاعدة الرئيسة لإنشاء الاتحاد الاوراسي .
وعن ماهية وتفاصيل هذا الاتحاد العملاق الذي سيقتحم القرن الحادي والعشرين .. يقول وزير الصناعة والتجارة الروسي فكتور خريستينكو إن روسيا وبيلاروس وكازاخستان قد تشكل تحالفا نقديا في إطار الفضاء الاقتصادي الموحد الذي أسسته الدول الثلاث ،مضيفا أن الحزمة المتكونة من 17 وثيقة بشأن الفضاء الاقتصادي الموحد، ستدخل حيز التنفيذ اعتبارا من 1 كانون الثاني عام 2012.وأوضح خريستينكو أن إنشاء الفضاء الاقتصادي الموحد يأتي بهدف تنسيق سياسة الرسوم الجمركية وإدارة الجمارك، وكذلك التنسيق في اتجاهات أخرى مثل سياسة التنافس في الأسواق الخارجية والتعامل مع الاحتكارات الطبيعية وتنسيق السياسة المالية والنقدية ،مشيرا الى أن إنشاء الفضاء الموحد يشكل نقطة انطلاق لهذه العمليات، لكن الهدف الأساسي أمام الدول هو أن تقرر خلال السنوات الثلاث القادمة ما مستوى التكامل والتنسيق الذي تسعى إليها ،مشددا في الوقت ذاته على أن الدول الثلاث يجب أن تقرر خلال الفترة المتبقية قبل موعد إنشاء الاتحاد الأوراسي، فيما اذا كانت ستتوجه بعد ذلك إلى إنشاء اتحاد نقدي بينها أم لا، وما هو مستوى التنسيق الذي يجب أن يعتمد عليه مثل هذا التحالف؟
وقال خريستينكو الذي عينه الزعماء الـثلاث رئيسا للجنة الاقتصادية الأوراسية المعنية بإنشاء الاتحاد، انه لا يجوز المقارنة بين الاتحاد الذي تعتزم الدول إقامته، والاتحاد السوفييتي السابق ، مضيفا أن الاتحاد السوفييتي كان نظاما سياسيا بالإضافة إلى كونه منظومة اقتصادية موحدة. لكن العالم تغير منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، وبات يتكون من اقتصاديات مفتوحة. وشدد خريستينكو على أن الاتحاد الأوراسي يجب أن يكون مفتوحا وشفافا، ولذلك لا يمكن مقارنته مع الاتحاد السوفييتي.
وأكد خريستينكو ان الروبل الروسي قد يصبح عملة احتياطية في الاتحاد الأوراسي وأن الحكومة الروسية قد بدأت الإجراءات من اجل إقامة مركز مالي دولي في روسيا، مضيفا أن هذا المشروع يعتمد على استقرار الروبل وإمكانية استخدامه كعملة احتياطية.
مســـــــــــاحتــه تقتـــــــرب مــــــــــن
مساحة الاتحاد السوفييتي ..
وتبلغ مساحة هذا الاتحاد الذي يوصف بالفضاء الاقتصادي عشرين مليون كيلو متر مربع ويحتوي على معظم الموارد والخامات والثروات الطبيعية، ما يجعله الرقعة الأغنى في العالم ، وهو ينقص عن مساحة الاتحاد السوفييتي السابق بحوالي مليونين ونصف كيلو متر مربع، ويتجاوز عدد سكانه الثلاثمائـــة مليــون نســــمة وهـــو يزخـــر بمـــوارد مائية ضخمة حيث يبلغ عدد أنهاره ثلاثة ملايين نهر بطول يصل الى أكثر من عشرة ملايين كيلو متر تغطي نحو ثلاثة آلاف مليار متر مكعب من المياه سنوياً، هذا بالإضافة الى المخزون الجوفي الهائل من المياه مايسمح للاتحاد بالتوسع لأقصى درجة في المجــال الزراعـــي وبالأخص زراعة المحاصيل القمحية .
ويؤكد الكثير من المحللين الاقتصاديين أن الفضل في بناء قواعد هذا الاتحاد تعود الى رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين الذي أولى منذ توليه قيادة الحكومة الروسية في العام 1999 اهتماماً كبيراً لعملية التكامل الاقتصادي بين روسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة، ولاسيما الرئيسية والكبرى منها مثل بيلاروس وكازاخستان وأوكرانيا، وهي الجمهوريات التي أسست يوماً الاتحاد السوفييتي ، ويشير بوتين في الإطار الى أن بناء الاتحاد الجمركي ومن ثم الفضاء الاقتصادي الموحد يضع الأساس لتشكيل اتحاد أوراسي اقتصادي اكبر في المستقبل يضم دولا جديدة ،وهو بذلك بحسب المراقبين لا يريد إعادة خلق الاتحاد السوفييتي مجددا لكنه يسعى إلى تكامل وثيق على أساس القيم والأسس السياسية الاقتصادية الجديدة، والى شكل قوي من أشكال الاتحادات يتجاوز القوميات وقادر على لعب دور موحد في القرن الحادي والعشرين .
التحديات المستقبلية ..
وعن التحديات المستقبلية التي ستواجه هذا الاتحاد أبدى الكثير من الخبراء الروس تفاؤلا كبيرا تجاه أطروحة بوتين الجديدة،مؤكدين أن إزالة الحواجز الجمركية التي يسعى إليها الاتحاد الأوراسي، ستقدم قوة دفع لتنمية التجارة والروابط الاقتصادية بين جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق ، كما سيقدم هذا الاتحاد لملايين السكان ممن يعيشون في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق حرية أكبر للحركة بين دول الإقليم بحسب مايشير إليه ألكسندر لوكين مدير مركز منظمة شنغهاي للتعاون من أن شعوب الاتحاد الأوراسي سيتمتعون بالمزايا التي يتمتع بها نظراؤهم الأوروبيون في حركتهم الحرة ،مضيفا أن عضوية الاتحاد الأوراسي المقترح ستبدو لجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق محققة لخيار «الكل رابح»، ففي مقابل التخلي النسبي عن قدر من السيادة السياسية الفردية سيتحقق قدر واسع من المنافع الاقتصادية بمجرد أن يحقق التكامل الاقتصادي زخمه المنتظر.
وبنفس السياق يقول مدير مركز التقنيات السياسية في موسكو ألكسي مكاركين : فإن المشروع الأوراسي يمكن أن يواجه مشكلة أساسية تتمثل في معارضة النخب المحلية في تلك الدول من الساسة ورجال الأعمال ممن يتطلعون إلى الترابط الاقتصادي مع الغرب، مشيرا الى أن النموذج الروسي في الاقتصاد والسياسة لم يعد محل جذب واهتمام من قبل جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، ذلك أن زعماء هذه الدول من الجيل الذي ينتمي إليه بوتين سيفسحون عاجلا الطريق لزعماء جدد من جيل شاب من طبقة التكنوقراط ، وأولئك لا يجدون كثير إغراء في فكرة بوتين عن الاتحاد الأوراسي ،إضافة إلى وجود بعض الإشكاليات التي تتعلق بكيفية اتساق مشروع بوتين عن الاتحاد الأوراسي مع المسار الذي تحدثت عنه موسكو كثيرا بشأن التحديث والتنمية، والذي كان علامة مميزة للخطاب السياسي للرئيس الحالي ديمتري ميدفيدف.
وفي الإطار ذاته يؤكد الباحث الروسي والأكاديمي والخبير الشهير في الشؤون الخارجية سيرغيه كرتونوف: أنه خلال العقدين الماضيين كان الفشل هو مصير جميع مشروعات التكامل في الفضاء الجغرافي المتكون على أنقاض تفكك الاتحاد السوفييتي» مضيفا أن جميع دول فضاء ما بعد السوفياتية والتي تدرجها روسيا في قائمة دول «المصالح الإستراتيجية» ليس من بينها دولة واحدة بوسعها تسهيل مسار روسيا نحو التحديث التقني والاقتصاد العالمي. بل على العكس، فإن روسيا كي تعطي انطباعا بأن التكامل السياسي والاقتصادي في حقبة ما بعد السوفياتية يكتسب زخما ستضطر إلى ضخ نفقات مالية ضخمة لترجمة هذا التكامل على أرض الواقع، وهو ما سيؤدي حتما إلى إهدار موارد وثروات روسيا، فضلا عن عرقلة مسارها نحو عملية التحديث.