من هنا, ولأن الضمير المرفوع دائماً موجوع, توجَّب على الكاتبِ الذي استلَّ قلم الحقّ, أن يتلمَّس بكلِّ إدراكهِ وحواسه, ما يدور حوله من معارك ضحيَّتها أفراد مجتمعه, ممن عليه مدّهم بالحياة, وعبرَ كتاباته التي هي أنفاسه..
إنها الصلة التي تمتد مابين الكاتب والقارئ. الكاتب الذي يُفترض أن يستقطب كل ما يدور ويجور في الحياة التي يحياها و يستبصرُ بلواها. يستقطبهُ لينقلهُ إلى القارئ الذي يقوم بدورهِ, بنقلِ آرائه وأفكارهِ ومواقفهِ إلى الكاتب الذي عليه بعدها, أن يُحيلها جميعها إلى محكمة العقل, حيث الضمير القادر على رفعها إلى أعلى درجاتِ السموِّ التي تحقِّقُ مبتغاها.
إذاً, الكاتب هو ضمير الشعب. هو الذي يتقمَّص أفكاره وحياته ومعاناته. يتقمصها ليخلصها مما علق بها من شوائبِ ومعاركِ وتقلباتِ وأهواءِ الحياة. أيضاً, من كلِّ ما يحتاج إلى أن يمررهُ على عقلهِ الذي لابدَّ له من تفحُّصها قبل أن يُطلقها لتشرح العقول والصدور, وبما فيها من لغٍة ناطقةٍ بما يحتاج الشعب للنطقِ به, ويذلل بحكمته وبساطته وعمقهِ وحنكته, كل ما يعترضهُ ويخنقهُ بالوجع والمعاناة.
كل هذا, يدلُ على ضرورة الالتزام بأخلاقِ الأقلام. تلك التي تُعتبر الوسيلة الأقوى والأقدر, على رفع ضمير صاحبها بالمسؤوليات, وتجاه الوطن أولاً ومن ثمَّ أبنائه.. تجاه رسالته التي عليها أن ترتقي وتبقى حرّة إلا من واجبها المقدَّس, الذي يتلخَّص في قدرته على إخضاع الحياة بالكلمات.
بعد كلِّ هذا, ألا يتوجَّب علينا التوقف لنحكم على من يكتب بالمجرور من هدفٍ لا تؤلمهُ أغلاله, بأنه انتهازي بضميرٍ غير مسؤول إلا عن مصلحته المُتخمة بأنا هواهُ ومداهُ وأطماعه؟..
ألا يتوجب علينا, الحكم على هكذا كاتب, بأنه الأشدُّ فتكاً بالشعب والوطن والحياة, وبأنه من الآثمين الذين فتنوا وطعنوا ومزقوا وهدروا ضمائر أقلامهم.. الأقلامالتي لم تعد مرفوعة أبداً, لطالما ارتضوا أنيُجرجروا بها, ضمير المفردات؟..