حيث جلس مسؤولون أميركيون على طاولة المفاوضات مع نظرائهم الروس، و يتجلى ذلك من خلال البيان الصادر عن رئيس القوات الروسية الجوية حول إمكانية المساعدة فيما يخص الملف السوري، ما الذي كانوا يتفاوضون عليه؟ تقول مصادر غربية بأن من أولويات النقاش التسليم ببقاء الدولة السورية مقابل تنازلات في أوكرانيا «المظليون الروس مستعدون لمساعدة سورية في محاربة الإرهابيين، عندما تحدد القيادة الروسية هذه المهمة» قال قائد قوات الإنزال المظلي الروسي الكولونيل –الجنرال فلاديمير شامانوف في 2 آب.
تجدر الإشارة إلى أن البيان الآنف الذكر جاء إما تعبيراً عن موقف وزير الدفاع الروسي شويغو حيث ( الموقف الرسمي الروسي تجاه أوكرانيا يختلف عن الأزمة في سورية) أو هو إشارة من الكرملين إلى البيت الأبيض بعدم قصف مواقع تابعة للجيش السوري بعد تهديد الرئيس أوباما بذلك في حال تعرض الجيش السوري لعصابة صغيرة من المرتزقة ممن لا تتجاوز أعدادهم ال60 وتم تدريبهم وتسليحهم وتمويلهم أميركياً وقتل معظمهم على يد الجماعات الإرهابية الأخرى، وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عقد اجتماعات مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير في العاصمة القطرية –الدوحة- و لم تفض هذه الاجتماعات إلى النتيجة المرجوة ، حيث أن روسيا متمسكة بالدولة السورية وبحقها في محاربة الجماعات الإرهابية المسلحة
إن هدف تنظيم داعش هو جعل السعودية جزءاً من الخلافة وحرمان المسلمين من الأماكن المقدسة فيها أي-مكة والمدينة المنورة – وهو أمر غير مقبول تماماً للسلالة السعودية الحاكمة، ومباشرة بعد اجتماع الدوحة التقى لافروف وكيري في قمة آسيان التي عقدت في كوالامبور –ماليزيا (رابطة دول جنوب شرق آسيا، والتي تضم روسيا والولايات المتحدة بصفة مراقب) وناقش وزراء خارجية الرابطة تسوية للوضع في سورية وأوكرانيا، ومن الملاحظ أن النقاش تم على منصة القمة الآسيوية ، وفقاً لوزير الخارجية الأميركية فإن نظرة الجانبين للوضع في أوكرانيا والخطوات التي يجب القيام بها وفق التنفيذ الكامل لاتفاق مينسك، يبدو أن كيري على استعداد للتصالح مع روسيا مقابل تنازلات في أوكرانيا، لكن هل روسيا بحاجة لذلك؟
يعتقد موقع هيل الأميركي أن روسيا تأخذ الشرق الأوسط من الولايات المتحدة وهي تمكنت من الفوز بحليف كالسعودية وهذا الواقع قد يغير بشكل كبير موازين القوى في المنطقة لا سيما أن روسيا حليف قديم لسورية وإيران بينما تسعى السعودية لصداقة مع موسكو ووعدت مؤخراً بالاستثمار بمليارات الدولارات في الاقتصاد الروسي، بالمقابل وعدت روسيا بحل النزاع بين إيران والسعودية، نستنتج مما سبق أن الكرملين كان نشطاً للغاية في الشرق الأوسط بانتزاع زمام المبادرة من الولايات المتحدة، موسكو لن تقدم أي تنازلات مقابل الدولة السورية، لكن يمكن أن تتخذ إجراءات أكثر صرامة فيما يتعلق بأوكرانيا لسبب واحد هو أن لروسيا مصالح في أوكرانيا والولايات المتحدة تدرك ذلك جيداً، مصالح روسيا في أوكرانيا تتعلق بالاقتصاد والأمن في المناطق الواقعة على الحدود الأوكرانية مع روسيا.
الواقع يفرض نفسه، وسط تغير موازين القوى لصالح موسكو وواشنطن ستتوقف عن زعزعة استقرار أوكرانيا في القريب العاجل، ليس لأنه من أولويات شؤونها في الشرق الأوسط لكن بسبب اختراق روسيا في آسيا –للمنطقة التي تسمى زيغينيو بريجنسكي- التي كانت تسمى ذات يوم بالمنطقة الأكثر أهمية في العالم، وليس من قبيل الصدفة أن سيرغي لافروف كان يجلس على الطاولة وأمامه لوحة «سيروجي» وهو يبتسم وبمزاج جيد .