المحلل والخبير الروسي في القضايا الدولية «فلاديمير أودنيشكوف» أشار في مقابلة نشرت على موقع «منظور الشرق الأوسط الجديد» إلى أن الولايات المتحدة وخلال العقود الأخيرة لم تخلع عنها أبداً عباءة الامبريالية وهي لم تستفد من كل دروس التاريخ إلّا من درس واحد : كيف تختار عشيقاتها السياسيات لاستثمار الفتن و الاضطرابات بهدف الهيمنة على المنطقة .
خلال السنوات السبعين الماضية ، كانت إسرائيل إحدى العشيقات الأكثر إغراءً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ، وإسرائيل التي تسيطر على أجزاء من البلاد العربية بالنيابة عن الولايات المتحدة لا زالت توسع نفوذها في المنطقة ، لكن الوقت والزمن تغيرا و المقربون أيضاً من السياسة و الدبلوماسية الأمريكية تغيروا .
عشيقة أخرى للولايات المتحدة هي السعودية ، والتي قدمت للولايات المتحدة خدمات قيّمة ومربحة لم تكن تحلم بها ، هي الأخرى باتت عشيقة قديمة، فبعد أن قامت بتمويل وتأهيل منظمة القاعدة الإرهابية و تدريب عناصرها وكذلك قامت بنشر الوهابية كمصدر للتطرف في البلاد الأخرى المجاورة مما عزز وجود واشنطن في المنطقة , باتت المحظية الثانية أو الثالثة بالنسبة لواشنطن وهي في طور دفع ثمن باهظ لخدماتها المقدمة للأمريكيين ، إذ أن المملكة هي ذاتها معرضة لتقطيع أوصالها إذ يبدو أن واشنطن لديها مآخذ على السعودية .
تركيا ظهرت اليوم كعشيقة جديدة مفضلة للولايات المتحدة ، وهذا الاختيار لم يأتِ أبداً من باب المصادفة ، فواشنطن تتقرب من أنقرة وفق سياسة الخطوة خطوة وهي بآنٍ معاً تضع تركيا تحت رقابة صارمة مستفيدةً من التطورات الإقليمية في أوروبا لعزل أنقرة عن الاتحاد الأوروبي وبذلك تتقرب واشنطن من أنقرة وتعرقل جهودها عندما يتعلق الأمر بالانضمام و التوسع نحو الأوروبيين ، و في حالة أخرى تترك الأتراك يتحركون بحرية عندما هؤلاء يهددون مصالح القوى الكبرى في المنطقة من قبيل روسيا و الصين و إيران .
إن البيت الأبيض يعمل بخبث ودهاء على تغذية كل هذه التناقضات من أجل استمرار مصالحه في المنطقة .
في عالم اليوم تتحرك الولايات المتحدة وهي تضع في حساباتها أهمية منطقتي الشرق الأوسط و الشرق الأدنى كمصدر للطاقة والوقود ، كما أن منطقة الساحل الشرقي للمتوسط تفيد في نقل وتحويل هذه الثروات نحو الاقتصادات المتقدمة في العالم والشيء الذي لا يختلف فيه اثنان هو أن هذه النظم الاقتصادية الغربية تقوم مصالحها على استقرار هاتين المنطقتين الساخنتين في العالم .
البيت الأبيض ملأ هذه المنطقة بالأسلحة من كل الأصناف وهو يدعم كل طرف يساعد على خلق توترات في هذه المناطق وضمن هذا السياق فإن الولايات المتحدة تبذل كل جهد ممكن للمحافظة على وضعها في التحكم في العلاقات الحساسة بين دول المنطقة – سورية و تركيا و اسرائيل و فلسطين و السعودية و اليمن و العراق و مصر .
تأسست العلاقات الودية بين تركيا و الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية و بعد المساعدة الأمريكية لأنقرة في إطار خطة مارشال في عام 1947 و بعد انضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي عام 1952 خُصّت تركيا بالمكانة الأولى في السياسة الخارجية الأمريكية بحيث باتت واشنطن تملي على أنقرة توجهاتها السياسية . إضافةً إلى أن تركيا وسعت علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة على المستويات السياسية و العسكرية و الاقتصادية .
كانت تركيا شريكاً أساسياً و استراتيجياً لواشنطن في سنوات الصراع والحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي السابق .
الأمريكيون جعلوا أنقرة محطة أساسية لسياساتهم في الشرق الأوسط وعبر هذه المحطة تعزز واشنطن نفوذها في البحر المتوسط و البحر الأسود و بالتالي إخضاع روسيا في القوقاز والبلقان والبلدان لديهما تعاون عسكري وثيق، وانضمام تركيا إلى حلف الناتو سمح للولايات المتحدة بأن تحجز لها مكانة مرموقة في حضن القوات المسلحة التركية ، حيث يعمل الجانبان معاً خاصة في السنوات الأخيرة سراً وعلناً على قلب الحكومة السورية وخلق اضطرابات في العراق .
و وفقاً للدستور التركي يحق لجنرالات الجيش التركي التدخل في السياسة التركية , في الواقع إن الولايات المتحدة استطاعت التسلل إلى النظام السياسي التركي من خلال الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» وكبار قادة الجيش .