وهنا نشير الى ان اصحاب الاقنعة في التاريخ, قد وجدوا في منطقتنا العربية منذ القديم, وبعد ذلك انتقلت هذه الظاهرة الى اوروبا, واليكم هذه الحالات المستمدة من كتب التاريخ القديمة.
شخصية المقنع الذهبي
ظهرت هذه الشخصية في عام 776م في خلافة المهدي, وكان يضع على وجهه قناعا من الذهب. وكان هذا الرجل من اهل مرو شديد الذكاء والدهاء, فيلسوفا ملحداً يدعو الى مذهب جديد, وقد تبعه خلق كثير من ضعاف العقيدة, وكان يلقب بحكيم بين اتباعه ومريديه.
ولما قوي امره وازداد خطره على الخلافة العباسية, لا سيما بعد ان استولى على عدة قلاع حصينة في خراسان والاراضي المجاورة, وهزم جيوش الخليفة في أكثر من معركة. ما اضطر الخليفة المهدي لارسال اعداد كبيرة لقتاله والقبض عليه , وحين ايقن بالهزيمة ارتد الى قلعته وتحصن بها ثم جمع زوجاته واعوانه وسقاهم سماً فماتوا دفعة واحدة ثم انتحر بالسم واوصى اتباعه بأن تحرق جثته بنار عظيمة وينثر رمادها حتى لا يمثل به وكانت نهايته في عام 779 م.شخصية المبرقع اليماني
وهناك شخصية اخرى من اصحاب الاقنعة ورد ذكرها في العديد من الكتب التاريخية القديمة تحت اسم ( المبرقع اليماني) الذي قادفي بلاد الشام اول ثورة فلاحية ضد الخلافة العباسية في عام 840م فهو صاحب شخصية صارمة ونفسية جياشة وقوة غاضبة طواها التاريخ وشوهها المؤرخون, وأغفلتها الذاكرة التاريخية الرسمية, فأسدلت عليها لونا من النسيان والاهمال, دون وجه حق.
ويذكر لنا المؤرخ الطبري سبب تمرد المبرقع اليماني على الخلافة العباسية فيقول: اراد بعض الجند النزول الى داره وهو غائب عنها, وفيها اما زوجه واما اخته فمانعته في ذلك, فضربها بسوط كان معه فأصاب السوط ذراعها, فلما رجع ابو حرب الى منزله بكت وشكت اليه ما فعل الجندي. فأخذ ابو حرب سيفه ومشى الى الجندي فقتله, ثم هرب الى جبل من جبال الاردن فلم يعرف له خبر.
بدأ المبرقع اليماني يتصل بالفلاحين ويدعوهم الى مناصرته من اجل الثورة ضد الخلافة العباسية, فاستجابت مجموعات كبيرة من الفلاحين في فلسطين لدعوته, لكونهم على استعداد لتقبل اي دعوة تعدهم برفع الظلم عنهم.
ومما يذكر عن المبرقع اليماني انه كان لا يظهر في الجمهور الا مقنعا, من اجل التأثير على نفوس ومشاعر اتباعه من جهة, ويضيف نوعا من الهيبة النفسية والكتمان بين الموالين له من جهة ثانية, فاتبع هذا الاسلوب التنكري ليخدمه في انجاح ثورته.
كان رد الفعل العباسي بعد ان تفاقم امر الثورة, ان أرسل الخليفة المعتصم جيشاً بقيادة رجاء بن ايوب استطاع القاء القبض على المبرقع حياً, بحلول فصل الصيف, حيث تفرق انصار المبرقع من اجل اعمالهم الزراعية وجني المحصول, ولم يبق معه سوى زهاء الف من اتباعه, وبذلك تمت هزيمته في حوالي عام 843م واقتيد الى (سامراء) حيث اعدم دون طول انتظار.ذو القناع الحديدي
ورد في العديد من المؤلفات التاريخية القديمة, حادثة غريبة خلاصتها, انه في اواخر القرن السابع عشر وفي عصر لويس الرابع عشر, ملك فرنسا, اقتيد الى قلعة بنيرول سجين مجهول الاسم والكنية والشخصية والملامح, وقد غطى وجهه بقناع حديدي لا يسمح له برفعه. وفي سجن الباستيل قضى نحبه في ميتة طبيعية عام 1703م ودفن في صمت ولم يعرف اسمه, او الاسباب الحقيقية الخطيرة التي دعت الى اعتقاله على هذا النحو الغريب على حد تعبير المؤرخ محمد عبد الله عنان .
وبعد مرور اكثر من خمسين سنة على وفاة هذا السجين, ظهر في امستردام اول كتاب يكشف اللثام عن هذه المأساة, ولكن في قالب روائي, وفيه تشهير بحق جانيت النمساوية ملكة فرنسا, وزوجة الملك لويس الثالث عشر , وان هذا السجين انما هو ابن غير شرعي للملكة جانيت.
ويدافع فولتير عن شرف الملكة في كتابه التاريخي الذي يحمل اسم ( عصر لويس الرابع عشر ) قائلا: بأن صاحب القناع الحديدي هو توءم او اخ الملك لويس الرابع عشر, وهذا يعني ان على احدهما ان يختفي من القصر الملكي, من اجل استمرار شؤون المملكة.
بينما يقول الروائي اسكندر دوماس الكبير, بأن السجين صاحب القناع الحديدي اسمه (دولامار) كان متزوجاً بابنة (جودينيه) طبيب لويس الثالث عشر, مما اتاح له امتلاك وثيقة طبية من والد زوجته, وتكشف هذه الوثيقة بأن الملك الراحل كان عقيما, وان ابنه لويس الرابع عشر ليس ابنا شرعيا له: (ابن حرام).
بينما يزعم المؤرخ ( فونك برنتانو) بأن السجين هو الكونت الايطالي (ماتيولي) الذي وعد الفرنسيين بتسليم القلعة التي يحكمها, اثناء مهاجمة القوات الفرنسية للاراضي الايطالية ولما حنث بوعده غضب الملك لويس الرابع عشر, وامر بخطفه من ايطاليا الى فرنسا , بطريقة غير قانونية لذلك اخفيت شخصيته طوال مدة سجنه, لئلا تطالب به ايطاليا .
المقنع الجديد
ومنذ مدة وجيزة.. ظهر على الفضائيات الشاهد المقنع هسام طاهر هسام, الذي خلع قناعه الاسود طواعية, واعترف بأنه ارغم على الأدلاء بشهادة مزورة ضد بلاده, باغراء وضغط من المدعو سعد الحريري, بهدف توريط سورية بجريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق, فكان هذا الشاهد الذي استيقظ ضميره وندم على فعلته النكراء, والذي ورد اسمه في تقرير لجنة ميليس, احد اصحاب الاقنعة الذين كشف امرهم امام الرأي العام , منعا للالتباس التاريخي , الذي قد ينشأ بعد مرور مئة سنة على سبيل المثال .