ليست المرة الأولى التي تطلق فيه هذه الأسئلة في المنابر الإعلامية, ولن تكون الأخيرة مادام فلتان الأسواق يمثل قاعدة في عمليات البيع والشراء في السوق المحلية, فالأمر الذي كان وما زال يثير حفيظة المستهلكين, ليس فقط ارتفاع لهيب الأسعار عشية قدوم الأعياد وإنما الارتفاع غير الطبيعي لأسعار ألبسة الأطفال وتجاوز أثمانها لألبسة الكبار من الرجال والنساء, وهو الأمر الذي يشكل عبئاً حقيقياً على ذوي الدخل المحدود الذين يشكلون الغالبية العظمى من شرائح المجتمع السوري.
ومن يجول الأسواق في مثل هذه الأيام, فسوف يكتشف ومن غير عناء,غياب الضوابط والاجراءات التي تحكم أسعار هذه السلعة أو تلك,وما دام حديثنا في هذا الموضوع السريع حول ألبسة الأطفال,فإنه يكفي التذكير ببعض الأرقام التي كانت بمنزلة حصاد لجولة سريعة في بعض أسواق دمشق. أحد المتاجر قام بعرض طقم ولادي من عمر 9-10 سنوات ومكون من ثلاث قطع بسعر 3500 ليرة,وبعد جدل استمر لدقائق مع صاحب المتجر وصلت نسبة الحسم إلى نحو 1000 ليرة,ومتجر آخر دوّن على لصاقة معطف ولادي ولذات العمر مبلغ 2200 ليرة.وأيضاً كانت نسبة الحسم التي يطلقون عليها مجازاً ب( السكرة) نحو 800 ليرة, وفستان لطفلة عمرها من 7-8 سنوات 2400 ليرة, ونسبة الحسم وصلت إلى ما يزيد على 900 ليرة,إلى جانب أمثلة أخرى تتشابه مع ماسبق وأتينا على ذكره.
حقيقة أن مثل هذا الفلتان في تحديد الأسعار, ليس من مسؤولية طرف بعينه, والأمر كما سبق وأن ذكرنا, يبدأ من المنتج وينتهي عند حدود البائع العادي. ومثل هذا السلوك إذا كان يعني شيئاً فهو أوّل ما يعني أنّ سياسة الحماية التي كانت تأخذ بها الحكومة شكلت سبباً مباشراً في الوصول إلى مثل هذه الفوضى, سواء من جهة الألبسة أوغير الألبسة, والتلاعب والتدليس لم يعد يتوقف على الأسعار فقط, وإنما أيضاً ينسحب الأمر على الجودة, ومن يقصد أسواق الألبسة,سوف يلحظ أن أصنافاً لا حصر لها من الملابس تباع دون أن تحمل علامات تشير إلى مصدرها ولا حتى الماركة أو اسم الجهة المنتجة,والبعض من المنتجين لا يتردد في الصاق ماركة تدل على أن السلعة مهربة من أسواق دول غير عربية, ليقينه المسبق بفقدان ثقة المستهلك بكثير من السلع المنتجة محلياً. ومسألة غياب الجودة سبق أن أكدتها أكثرمن جهة رسمية, ويكفي التذكير بتقرير صدر قبل عامين يشير في مضمونه إلى أن أكثر من 50 بالمئة من الألبسة مخالفة سعرياًو15 بالمئة مخالفة من ناحية الجودة والمواصفات.
مثل هذه الحقائق كافية لتبرير الأسباب التي أدت إلى تراجع الصناعات النسيجية وانخفاض وتائر التصدير,,وهي أيضاً كافية للتوجه بالسؤال إلى جمعية حماية المستهلك حول الدور المنوط بها منذ الاعلان عن تأسيسها, الغالبية من المستهلكين كانوا وما زالوا يعوّلون الكثير على هذه الجمعية, ولكن على ما يبدو أن هناك بعض المعوقات الجوهرية التي تمنع تفعيل دورها,وإذا كانت هذه الجمعية تسعى فعلياً لحماية المستهلك من أساليب الغش والتدليس, وهي مطالبة أكثر من أي وقت مضى في فتح أبواب الجدل والنقاش من خلال المنابر الاعلامية,من أجل نبش القضايا التي من شأنها وضع النقاط على الحروف وبشفافية عالية, خاصة أن قانون حماية المستهلك الذي صدر قبل نحو العامين, من شأنه ضمان ملاحقة كافة الأطراف التي تلحق الأذى بالمستهلكين,خاصة وأن بعض النقاط الواردة في القانون تقول وبالحرف الواحد: القانون يمكن المستهلك من حق التقاضي, للتعويض عليه من الضرر الذي يصيبه,سواء من قبله أم عن طريق جمعية حماية المستهلك,وفي مكان آخر: الدولة وبموجب هذا القانون ستكفل حقوق المستهلك ومصالحه, وتصدر لذلك التشريعات القانونية التي تنظم نزاهة المعاملات الاقتصادية.
وبمنأى عن قانون حماية المستهلك والدور المفترض للجمعية,فإن على غرف التجارة والصناعة السعي إلى التنسيق مع أصحاب المنشآت الصناعية من أجل تكريس الوعي التجاري أو التسويق بطرق مثلى بعيدة عن آليات البيع والشراء التي أحاطت بالسوق المحلية لعقود طويلة من الزمن, كما ويتعين لفت الأنظار إلى ما يعنيه مفهوم المنافسة السلعية ضمن آليات اقتصاد السوق, .. فالمستقبل القريب يعد لكثير من التحولات الاقتصادية المحلية, خاصة بعد أن أعلنت الحكومة صراحة أن سياسة الحماية لغالبية السلع والمنتجات سوف تذهب وإلى غير رجعة, والقوانين والتشريعات التي صدرت على مدار السنوات الماضية سوف تسهم وإلى حد كبير في إزاحة المعوقات التي كانت تمنع القطاع الخاص من حرية الحركة المرونة والمنافسة, ببساطة شديدة لابد من البحث عن آليات وبرامج تسويقية من شأنها حماية المنتج الوطني, والوصول إلى تلك الآليات والبرامج التي ما زالت غائبة,,يستوجب إعادة هيكلة القطاع الخاص الصناعي سواء من الناحية الإدارية والفنية أم من الناحية التقنية, وفي حال لم نفعل, فإن هناك المئات من المنشآت الصناعية مهددة بالإغلاق أو بالإفلاس.., وكافة المؤشرات تقول:إن المنافسة السلعية باتت من القضايا التي تحكم معظم أسواق العالم في ظل تسيد العولمة وتنامي سياسات الإغراق السلعي.. والسؤال: أين موقعنا من هذه المنافسة السلعية?!.. وأين أسباب التلكؤ والانتظار في إعادة هيكلة القطاع الصناعي?