تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لماذا يتذكر العالم المحرقة النازية ويتجاهل المحرقة الصهيونية بحق العرب..?

دراسات
السبت 14/1/2006م
نعيم محمد قداح

وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مطلع شهر تشرين الثاني 2005 بأغلبية كبيرة على اعتبار يوم السابع والعشرين من شهر كانون الثاني من كل عام يوماً للمحرقة النازية ضد المناضلين للاحتلال النازي التي تمت في معسكرات الاعتقال في أوروبا حين اجتاحها هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية.

يضع هذا القرار الذي تبحث عنه الصهيونية منذ أكثر من نصف قرن حداً لجدل دار على مر سنين كثيرة حول عدد اليهود الذين ماتوا فعلاً في هذه المحرقة, وكان الفيلسوف الفرنسي الذي اعتنق الإسلام (روجيه غارودي R.Garodi من أبرز ضحايا هذا الجدل في منتصف التسعينيات, وذلك حين أًصدر كتابه (الأساطير المؤسسة للدولة الإسرائيلية).‏

لم يتضمن الكتاب تشكيكاً في عدد الذين قتلوا فحسب بل قدرهم بأقل من الرقم الذي قدمته الصهيونية وأكد في كتابه في الوقت نفسه أن كل نفس واحدة وليس ستة ملايين, كما يقال, هو عمل ضد الإنسانية وأضاف أنه بالإضافة لليهود الذين اختنقوا في أفران الغاز كان هناك الآلاف من المناضلين المسيحيين الديمقراطيين ومن الغجر والسود والشيوعيين من غير اليهود الذين لقوا المصير ذاته.‏

المحرقة لم تكن عملاً موجهاً ضد اليهود وحدهم بل ضد الإنسانية كلها, وأن احتكار اليهود وحدهم لصورة الضحية هو لغاية في مخططات الصهيونية لتبقى المحرمات الصهيونية والآثام التي ارتكبتها النازية ديناً في عنق أوروبا وألمانيا التي مازالت تدفع المليارات لإسرائيل لتكفر عن جرائم هتلر, آخرها تقديم غواصتين ذريتين لإسرائيل. إن مفاهيم المحرقة لا ينبغي لها ولا يجوز أن تطمس حقائق أخرى كثيرة.‏

ولهذا لابد من التذكير ببعض الحقائق في هذا الصدد أولها أنه ليس هناك أية علاقة للفلسطينيين بالمحرقة وأن أوروبا, لكي تبريء نفسها, ساندت المشروع العنصري الصهيوني في الاستيلاء على أرض فلسطين وإقامة دولة طفيلية أصبحت منذ نشأتها ذراعاً للامبريالية وكان هذا الدعم أولاً وقبل كل شيء دفاعاً عن المصالح الاستعمارية والنفطية في المنطقة كما تقول الكاتبة فريدة النقاش.‏

والحقيقة الثانية هي أن إسرائيل التي أصبحت دولة احتلال بمساعدة الاستعمار البريطاني والفرنسي أولاً, والأميركي بعد ذلك لم تتورع عن ارتكاب الفظائع ضد الشعب الذي احتلت أراضيه مستهدفة ترحيله من أرضه بعد أن حولت غالبيته إلى شعب من اللاجئين, والحقيقة الثالثة هي إن إسرائيل قدمت نفسها للعالم في صورة واحة الديمقراطية العصرية التي تعيش بين (الوحوش العرب غير المتحضرين الغارقين في بحور الاستبداد), بينما مارست هي كل أشكال الاضطهاد والتمييز ضد الفلسطينين الذين جرى اقتلاعهم من قراهم وبلدانهم ليعيشوا في المخيمات سواء داخل فلسطين أو في البلدان العربية الأخرى, وقد أكدت الأبحاث أن هناك 4ملايين فلسطيني في غزة والضفة والقدس والجليل وفي المناطق العربية وفي إسرائيل وأن هناك أكثر من أربعة ملايين يعيشون في الشتات.‏

ولم ينج (روجيه غارودي) حتى اللحظة من الحصار والملاحقة القضائية والعزلة الإعلامية وعجز عن نشر كتابه إلا في دار نشر صغيرة وأصبح مجبراً الآن على الصمت . وقبل عامين أصدر باحث فرنسي آخر هو ( بونيفاس) الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي كتابه ( من يجرؤ على نقد إسرائيل) فضح فيه أساليب عمل اللوبي الصهيوني في فرنسا الذي تاجر بالمحارق النازية طويلاً ليحجب جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وليجهض حالة التعاطف المتزايدة مع الفلسطينيين بين الشباب الفرنسي والأوساط السياسية والأكاديمية, نبه بونيفاس العرب والمسلمين المهاجرين الذين يعيشون في فرنسا قائلاً : إنهم لم يستفيدوا بعد من قوتهم ونفوذهم لكي يدافعوا عن قضية الشعب الفلسطيني ويكسبوا إلى صفها مزيداً من المتعاطفين بعد أن بدأ الرأي العام الفرنسي يغير نظرته, التي طالما اعتبرت اسرائيل واحة للديمقراطية ونموذجاً يحتذى به في الشرق الأوسط, ولم يستطع العرب في فرنسا مساعدة كل من غارودي وبونيفاس, وجاء في أواخر التسعينيات الباحث البريطاني كيفين ارفينغ بكتابه ليكمل مسيرة غارودي وقد حاربته الصهيونية وصدرت قوانين أوروبية ضده واعتقل في فيينا في منتصف تشرين الثاني عام 2005 بحجة معاداة السامية , وقد أكد هو الآخر أن الأكاذيب الصهيونية هي التي تقف وراء قصة المحارق, والآن تسجل إسرائيل في الجمعية العامة نجاحين كبيرين كان أولهما إلغاء قرار الأمم المتحدة الذي كان قد صدر عام 1975 وساوى بين العنصرية والصهيونية , وثانيهما صدور هذا القرار الأخير الخاص بالمحارق, فماذا فعل العرب?‏

الخطط الإعلامية العربية مازالت تائهة بعيدة عن المطلوب في مواجهتها للحملة الصهيونية التي تزايدت حدتها في الشارع الأوروبي والأميركي, بعد أن راجعت اسرائيل وضعها العسكري في غزة, في الخروج الأحادي لعدم وجود الشريك الفلسطيني وأصبحت الآلة الإعلامية العربية تحتاج من الجامعة العربية إلى مرجعية شاملة خصوصاً أن الإدارة الأميركية تسعى الآن بكل قوتها للمطابقة بين حركة التحرر الوطني ومقاومة الشعوب للاحتلال من جهة وبين الارهاب من جهة أخرى , تحتاج الاستراتيجية الإعلامية العربية , وهي تسعى لرد الاعتبار لقرار الأمم المتحدة الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية إلى تقديم صورة حقيقية لمقاومة الشعبين العراقي والفلسطيني للاحتلال, تحتاج أن تقيم الوشائج الحقيقية والعميقة مع الحركة العالمية المناهضة للامبريالية وللعولمة الرأسمالية, ولا بد أن نذكر هنا أن مؤتمر المنظمات المدنية في ديربان بجنوب افريقيا في آب عام 2001 الذي انعقد على هامش المؤتمر العالمي الثالث لمناهضة العنصرية كان هو نفسه قد رد الاعتبار لهذا القرار وطالب بإعادة اعتماده في الأمم المتحدة.. وهي دعوة لابد من تجديدها والدفاع عنها , ولكن المعضلة الكبرى التي تواجهها السياسة الإعلامية العربية هي أنها لا بد أن تنهض أولاً على استراتيجية سياسية عربية موحدة وهو الشيء البعيد, في ظل التردي الحالي والتبعية لأميركا ويحتاج الأمر لنضال طويل الأمد فمتى نفهم الواجب?‏

* سفير سابق‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية