عندما نتحدث عن انتعاش أي مناخ استثماري, لابد من الإشارة إلى المقومات والإمكانيات, فيما إذا كانت متوفرة أم لا..? وباعتبار دير الزور تمتلك الكثير من المعطيات لإقامة المشروعات الاستثمارية, من شبكة طرق إسفلتية ومساحات زراعية كبيرة قابلة للاستثمار, ووجود جزر وحوائج نهرية متعددة وثروة حيوانية يقدر تعدادها بملايين الرؤوس, إضافة إلى ثروات اقتصادية أخرى مثل النفط والغاز والملح والطف البركاني والبحص والرمال الفراتية,.. فإن هذه المعطيات تسهم في تحسين الواقع, وبالتالي تشكل عامل جذب للمستثمرين, ولكن -وبكل أسف- فبالرغم من توافر كل هذه المقومات, إلا أننا نجد المناخ الاستثماري جافاً و(قاحلاً)!! بدليل افتقار المحافظة لمشروعات تتناسب وإمكانياتها الاستراتيجية.
غنية بالمشاريع الاستثمارية (عالورق فقط)!!
نظرياً يبلغ إجمالي قيمة المشاريع المشملة بقانون الاستثمار رقم /10/ على مستوى المحافظة أكثر من 25 مليار ليرة, تتوزع بين المشروعات الصناعية ومشروعات النقل والخدمات والزراعة, أما فعلياً فإن قيمة المشروعات المنفذة والتي ستنفذ لاحقاً لا تتجاوز ال 3.5 مليارات ليرة, أي بنسبة 14% من إجمالي القيمة, علماً أن معظم هذه المشاريع المنفذة هي مشروعات نقل, بعضها قائم ومستثمر والبعض الآخر يمر بمشكلات وأزمات مالية!! ويشير السيد شاهر الصالح مدير مكتب الاستثمار في المحافظة إلى أن الأرقام المتداولة كتوظيف مالي لتلك المشاريع شيء, والواقع شيء آخر, حيث إن كثيراً من المشروعات وذات قيم عالية جداً تقدر بالمليارات هي على الورق فقط, ويكون أصحابها إما يبحثون عن التمويل, أو تواجههم صعوبات ومشكلات في تأمين المكان المناسب..
هناك من يغامر .. ولابد من إزالة العصي من العجلات !!
ومع وجود بعض المنغصات الاستثمارية, إلا أن هناك من يغامر لإقامة مشروعات في المحافظة, منطلقاً من المقومات التي تمتلكها المحافظة اقتصادياً, بدليل أنه في العام 2005 لوحده, بلغت قيمة المشاريع المشملة بقانون الاستثمار أكثر من 11 مليار ليرة هي مشاريع استراتيجية, فإن تحققت وأصبحت واقعاً, ستكون هناك نقلة نوعية في المحافظة اقتصادياً واجتماعياً وخصوصاً أن هذه المشروعات تؤمن أكثر من 1200 فرصة عمل, ويؤكد مدير الاستثمار أن تنفيذ هذه المشروعات من قبل أصحابها يتطلب منا جميعاً التشجيع, ومن ثم تسهيل كافة الإجراءات لإقامتها دون تعقيد أو ممارسة أي شكل من أشكال البيروقراطية, إذا ما قيست بأهميتها التنموية, وبصراحة نقولها: إن لم تكن هناك مبادرات منا كمحافظة في إزالة العراقيل وإخراج العصا من بين العجلات, فلن تكون هناك مناخات صحية مشجعة للاستثمار.
مع غياب المدينة الصناعية أبشع حالات البيروقراطية تمارس على المستثمرين:
وفي سؤال توجهنا به لمدير مكتب الاستثمار, فيما إذا كان المناخ الاستثماري في المحافظة -مشجعاً لاستقطاب وجذب مستثمرين أم لا, وما الوسائل الممكن اتباعها لتنشيط المناخ وتحسينه?!
فأجاب: حقيقة إن الواقع الحالي غير مشجع لأسباب بعضها مرتبط بالمحافظة ذاتها, والبعض الآخر يقع على عاتق المركز, فبالنسبة لما هو محلي هناك منغصات تواجه المستثمر سواء في استكمال إجراءات المشروع في الدوائر المعنية والتي يمارس عدد من موظفيها أبشع أشكال الروتين والبيروقراطية, أو في تأمين المكان المناسب للمشروع, حيث إن الكثير من الأراضي غير معدة لإقامة مشروعات استثمارية, أما ما يتعلق بالمركز, فإن غياب المزايا التشجيعية للاستثمار في المحافظة يسهم في عزوف المستثمرين عن إقامة مشروعاتهم.. ويضيف: إن انتعاش المناخ الاستثماري مرتبط بإمكانية تحقيق العديد من القضايا, أولها الإسراع في إنجاز مشروع المدينة الصناعية, وثانيها تأمين مواقع للمشاريع الاستثمارية بأسعار تشجيعية, وثالثها دعم وتعزيز فكرة إنشاء شركات مساهمة في المحافظة, ورابعها تأهيل المصرف التجاري بما يخدم المستثمر من عمليات فتح اعتماد وغيرها..
هيكل كرتوني لمكتب استثمار الدير ..والمدير هو المدير.. و الآذن.. ومابينهما!!
وكما أسلفنا أن المناخات الصحية, تبني قاعدة استثمارية صحيحة وذات جدوى, وتحسين واقع هذه المناخات مرتبط حتى بصغائر الأمور, ولهذا لا ندري كيف يمكننا إنعاش الاستثمار في ظل وجود مكتب استثمار مترد من حيث الإمكانات, فمن يزور المكتب يجده عبارة عن هيكل كرتوني..! إذ لا تتوفر فيه أبسط متطلبات العمل بدءاً من الكادر الذي ينحصر بالمدير فقط دون سواه, فهو بنفس الوقت المستخدم والإداري وموظف الديوان وغيرها من التسميات الأخرى, وانتهاءً بالأثاث الذي اشترى المدير قسماً منه من جيبه الخاص, وهنا نتساءل: هل يعقل أن تكون المحافظة عاجزة عن تأمين بعض مستلزمات العمل, وبخاصة عندما يكون المكتب يتبع لها?!! وهل يعقل أن نتحدث عن مشاريع قيمتها بالمليارات, ويكون المكتب الذي يشرف عليها بهذه الإمكانات المخجلة?!! باعتقادنا أن صورة الحال لا يمكن أن تتبدل باتجاه الصواب بالحقن المسكنة أو بالمهدئات التي تمن بها المحافظة بين الحين والآخر, وإنما تكون عندما يتم إحداث هيئة عامة للاستثمار ذات استقلال مالي وإداري, ويتبع لها فروع في المحافظات تتولى العملية الاستثمارية, وإعطاء الفروع صلاحيات كافية لتنفيذ وتنظيم الإجراءات الكفيلة بإقامة المشروعات..
بالمختصر
الواقع الاستثماري في المحافظة غير مرض, ويتطلب إصلاحاً جدياً سواء في الإجراءات أو في عمليات الترويج والتنشيط, وهذا لا يقع على عاتق جهة دون الأخرى, وإنما هي مسؤولية الجميع ولكن بمبادرات جادة وصادقة بعيداً عن المخادعة و(رقص الحنجلة)..