لا بد أن نذكر بأن الأمر المؤكد هو أن هذه الحملة الانتخابية قد حصلت وتحصل على اهتمام في الرأي العام العالمي لم تحصل عليه انتخابات سابقة وربما كان هناك الكثير من المسوغات لهذا الاهتمام.
إن الطموح المبالغ فيه وبشاعة سلوكية وقسوة ممارسات السياسة الأميركية بأذرعها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية, إضافة إلى ضخامة هزائمها أو على الأقل تفاهة ما يسمونه انتصارات وذلك على الرغم من الحجم الهائل لنفقات التسلح والحروب التي شنتها الإدارة الأميركية الحالية بقيادة جورج بوش وطاقمه من المحافظين الجدد المتعطشين للدماء.
لا شك أن الانفاقات المالية الضخمة وزيادة الموارد المالية وكثافة المشاركة الشعبية وتنوع وسائل الإعلام والدعاية بالاعتماد على الأدوات التكنولوجية المتطورة قد شغلت وأثارت فضول معظم الرأي العام الدولي ولاسيما منطقة الشرق الأوسط وكثيراً من المناطق الأخرى في العالم والمحرومة من حق الاستمتاع بالديمقراطية وربما صرح الكثيرون ممن يدعون الثقافة والموضوعية في الطرح أن ما أثارهم وشدهم إلى هذه الحملة هو المستوى المرتفع للنقاش وعرضهم للموضوعات, وذلك بفضل اعتماد المرشحين الثلاثة على كفاءات أكاديمية وإعلامية وعلى مراكز بحوث لها وزنها في الحياة العامة والسياسية والثقافية في الولايات المتحدة الأميركية.
لم يكن متصوراً في البداية أن السيدة هيلاري كلينتون ستصمد طويلاً إذا لم يكن إلى جانبها الرئيس السابق بيل كلينتون, ولكنها صمدت ولا نستطيع أن ننكر أن هيلاري استطاعت أن تثبت جرأة منقطعة النظير ومقدرات خطابية هائلة ربما تركت بصمات على مسيرة الديمقراطية الأميركية مقابل أوباما الذي كان مفاجأة لكل من لم يتصور أن هيمنة الرجل الأبيض على الحياة السياسية الأميركية ربما تكون اقتربت من نهايتها, إضافة إلى ما استتبع الحملة الانتخابية في صفوف الأميركيين من أصول إفريقية.
أما السيد ماكين فقد شكل ترشيحه صدمة في كثير من دوائر صنع القرار والرأي العام حيث أصر منذ إعلان ترشيحه على تقديم نفسه في صورة خليفة جورج بوش الملتزم بالسياسة الخارجية الأميركية وبالتوجهات الاقتصادية ذاتها, وهو الذي دخل حملة المزايدة في السياسة الخارجية, وبخاصة فيما يتعلق بقضايا مثل الحرب ضد الإسلام تحت مسمى الإرهاب والحرب في العراق حيث طرح الاستمرار فيها مئة عام أو أكثر والدعم اللامحدود لإسرائىل على حساب الشعب الفلسطيني والعرب مجتمعين:
هنا يجدر بنا أن نأخذ تصريحات ماكين على محمل الجد وخاصة فيما يتعلق باستمرار احتلال العراق والحرب ضد إيران وربما ضد المسلمين والعرب بشكل عام, وكذلك تصريحات هيلاري وخاصة فيما يتعلق بإبادة أو محو إيران عن الوجود في حال تعرضت لإسرائيل, ثم نأتي إلى البحث بالعمق في برنامج باراك أوباما, ليس فقط لأنه تحدث طويلا عن التفاهم مع إيران وكوريا الشمالية بل لأنه لا يملك أي خبرة سابقة في صناعة القرار فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية وقد يحتاج إلى وقت غير قصير في كسب وتأييد المؤسسة العسكرية ومؤسسات إنتاج الأسلحة والمحافظين اليمينيين وجماعة اللوبي الصهيوني إذ إنه بلا دعم هؤلاء لن يحقق أي إنجاز يذكر على صعيد العلاقات الدولية قد يرى بعض المحللين والمعلقين أن السياسة الصينية تأمل بفوز ماكين وأن سيره على خطا بوش والذي بمساره الخاطىء وبسلبياته المتعددة سمح للصين بأن تسارع بخطواتها للحصول على أكبر وأعظم مقدار من القوة والنفوذ بلا الدخول في مواجهة عسكرية أو دبلوماسية خطيرة وما يعتبره البعض في الشرق الأوسط ميزات لأوباما تراه حكومات آسيا وبعض الحكومات في الغرب نقائض وهناك الكثيرون من الساسة خارج الولايات المتحدة لا يرحبون برئيس أميركي من خارج الوسط الرسمي الأميركي أو برئيس لا تربطه علاقات متينة مع الجهات والمؤسسات الضاغطة والفاعلة على الساحة الدولية.