نستعين بها لتفريغ ما تجود به أفكار بعض المبتكرين المبدعين من عبارات تدل على عمق أو سطحيّة في التفكير إن لم نقل على بؤس فكريّ مدقع, والكميات الموجودة من الورق في المكتبات الخاصة تدفعنا لطرح سؤال نجد أنفسنا متمسكين بالعثور على جواب شاف له, ألا وهو ما هي قصة هذه العبارات التي تتحفنا بها بعض وسائل النقل الخاصة والعامة أحياناً مكتوبة على ظهرها وبطونها وأيديها وأرجلها?!.
بحكم العادة: حاولنا الاقتراب من حدود الموضوع قبل الدخول في أعماقه قناعة منّا أنّ التفكيك المنطقي للمشكلة يجعل التعامل مع أجزائها منطلقاً لكشف كلّ ما يشوبها من غموض, فلم نجد وسيلة أفضل من سؤال عدد من أصحاب السيّارات والشاحنات وحافلات الركوب الكبيرة والصغيرة عن سبب إقدامهم على تزيين مركباتهم بعبارات تتأرجح بين الحكمة والهذيان, فتجمّعت لدينا هذه الحزمة من الأجوبة:
* الحسد موجود في البشر, ولا أجد أمامي وسيلة لردّ العين عن سيّارتي إلاّ بكتابة عبارات مثل ( عين الحاسد تبلى بالعمى) و( العين البصاصة تبلى برصاصة).
* كتابتي على مركبتي تعبير عن علاقة الحبّ الكبير التي تؤلّف بيني وبينها, وكما يكتب العاشق لحبيبته قصيدة غزل أو يلحّ عليها باستقبال رسائله المكتنزة لوعة وهياماً , فأنا أبادل حبيبتي وهي هنا مركبتي ذلك الحبّ ووسيلتي للتعبير عنه الكتابة على مقدمتها أو مؤخرتها.
* عندما أبالغ في تزيين المركبة أشعر أنّ الزينة ما زالت ناقصة ولا يمكن أن تكتمل إلاّ بكتابة عبارات مثل ( لا تلحقني مخطوبة) و ( أمل حياتي) إلى ما هنالك من عبارات تزيد المركبة فتنة وجمالاً.
لكنّ الغالبية التقت على جواب واحد يفيد أنّ هؤلاء يقدمون على ما يقدمون عليه من تسطير العبارات والجمل ( بحكم العادة).
نطاق الحرية الشخصية: قد يرى البعض في إثارة هذا الموضوع نوعاً من التدخل في الحرية الشخصية للآخرين, ولا يجدون ضرورة لإثارته, ولديهم حججهم وقناعاتهم. فهم يرون مثلاً أنّ الكتابة لا ترمي للإساءة لأحد, ولا تسبب تلوّثاُ مثلاً للبيئة, ومعظم العبرات تجمع بين الطرافة والدعابة, ولم يحدث مرّة أن عمد أحد مالكي المركبات إلى كتابة عبارة تخدش الحياء أو تتنافى مع الذوق العام للجمهور.
وقد يكون هذا الكلام صحيحاً من الناحية النظرية, لكنّ المدافعين عن الكتابة أو ملتمسي الأعذار لها ينسون أنّ للحرية الشخصية نطاقاً يجب أن تلتزم به دون أن تفكّر في تجاوزه أو تعدّيه, وإذا ترك لها الحبل على غاربه فإنّها بمرور الوقت تصبح نوعاً من الفوضى التي لا يضبطها ضابط.
وكما لهؤلاء المؤيدين حججهم فللمعارضين وجهات نظرهم :
* تعكس هذه الكتابة نمطاً من الفكر المسطّح الذي يدلّ على ضعف الوعي لدى من يفعل ذلك, وتشير إلى مستوى متواضع جدّاً من الثقافة فما معنى الكتابة والفائدة المرتجاة منها?.
*مازالت قضايا الحسد والعين تعطي الآخرين دليلاً على وجود شريحة من الناس البسطاء الذين يستسلمون لأفكار تملك سلطانها عليهم دون التفكير بعواقب هذا التأثير, فمن قال مثلاً إن السبيل للوقاية من العين هو كتابة عبارة على المركبة لا تقدّم ولا تؤخر ولماذا لا نتقي العين بالزكاة مثلاً?!.
*هذه الكتابات تسيء لجمال المركبة ولو كان هناك وجه جماليّ للكتابة لفكّر صانع السيارة أو الشاحنة بتسطير مثل هذه العبارات المضحكة أحياناً ولم ينتظر عبقريّة مستخدمها ليصحّح خطأ الصانع أو سهوه ونسيانه. ليتنا نتخلص من هذه العادة:
لا شكّ أنّ الكتابة على المركبات عادة سيئة ليتنا نتخلّص منها, والمعوّل على ذلك هو ارتفاع مستوى الوعي والثقافة لدى أولئك الذين يفعلون ما يفعلونه بحكم العادة أو رغبة عمياء في تقليد الآخرين, وعلى هؤلاء أن يدركوا أنّ أهمية المركبة تكمن بجاهزيتها التامة للعمل وسلامة تجهيزاتها بحيث تحمي صاحبها من أخطار الطريق, وتكون وسيلة نقل آمنة ,وإذا كان يهتمّ بالشكل الخارجيّ فحبذا لو ركّز على نظافتها, والمهمّ أن يقتنع أنّ الكتابة على وسائل النقل لا تعكس إلاّ عادة ذميمة يجب التخلّص منها.