وفي سوسة عروس البحر التي دغدغها رذاذ موجات البحر المتوسط, وعانقها عبق حضارة شواطئه, وتناغم همسات العشاق القادمين من أرجاء العالم مع هسهسات شجر النخيل وترنيمات النوارس,وخفقات قلوب الشباب التائق الى حضارة الشواطىء بحثا عن الملاذ الآمن, والنسيم العليل, وترجيعات صدى الموج العابث بما بناه الأطفال على الرمال, وما بناه الأجداد على الصخور الصلدة, وماتركه الأبطال وراء البحار.. وتستقبلنا سوسة كعادتها,باشّة وهي ترتدي ثوبها الأبيض المزين بالأخضر والأزرق, ووشي بالجميل من منح الخالق والمخلوق, فيخفق القلب شوقا الى لهجة عربية تعودتها, وأحببتها, ووجوه باسمة ما زالت في الذاكرة والقلب, كيف لا وأنا ما زلت أعيش ذكرى كل زيارة لبلد لم أجد فيه أي غربة, لا روحا ولا جسدا وقلبا... ولا شكلا وثقافة وهما عربيا.
فعلى الرغم من بعد المسافة بين مشرق ومغرب يئن بالجسد الموجوع,والروح الحزينة, وهما ينصتان الى صوت الوجع القادم من المشرق يعلن عن استبداد وإجرام لكل ما هو جميل ومشرق وبهيّ.
يتتالى حضور إدارة المهرجان بما عهدناه فيهم من احتفاء بالضيفات العربيات في مهرجانهن
» مهرجان المبدعات العربيات« واهتمام السيدة نجوى المنستيري الشريف(مديرة المهرجان) والأستاذمحمد العابد والدكتور هشام بن سعيد, والغرياني, والسيد عمر أرناز, وفوز الطرابلسي, وعائدة مرجان, ود. فاروق عمار وغيرهم ممن دأب على المساهمة في إنجاح هذا المهرجان بكل صغيرة وكبيرة, الى جانب الأخوات العربيات, متطلعين جميعا الى الهدف الأسمى الذي أرادته إدارة المهرجان, وهو تبادل الأفكار والخبرات والتجارب والعواطف بين المجتمعين وأقطار الوطن العربي الكبير.
لكن الأهم من كل هذا هو المحور الذي طرح ليكون المنهل الذي أريد أن تثبت المبدعة العربية حالتها الإبداعية فيه, ألا وهو علم الاجتماع.
علم الاجتماع الذي يتغلغل في بنيان المجتمع بكل جزئياته ليلتصق بكل مشاكل الإنسان, ومن ثم ليعمل بحثا وتحليلا فيها وصولا الى المجتمع الإنساني الأفضل.
القادمات كنّ من سورية والإمارات العربية المتحدة وليبيا, والكويت ومصر والسودان, والجزائر, والمغرب, ولبنان, وأنحاء تونس.
قادمات بأبحاثهن, إذ قدّمت السيدة فتحية معتوق من الجزائر بحثها(الباحثة العربية في العلوم الاجتماعية بين البحث الأكاديمي والمجتمع المدني).
والسيدة نعيمة الشاطر من الكويت بحث(دور المرأة في المجتمع الكويتي)
أما(البحوث والدراسات وفق مقاربة النوع الاجتماعي نحو المساواة وتكافؤ الفرص) فكان للسيدة سعيدة الرحموني من تونس, وبحث(زهور لاتنبت في الإسمنت) للإماراتية منى جمعة البحر التي ركزت في نهايته على تراجع دور اللغة العربية لتحل محلها لغة المتسلط اقتصاديا .
السيدة نفيسة الدسوقي من مصر قدمت بحثا (مشكلات الباحثات المصريات في علم الاجتماع) ممحورة هذا البحث حول المعاناة التي تعانيها المرأة وهي تخوض في هذا المجال, وقد شابهها في هذا رأي الباحثة الجزائرية مريم بو زيد من خلال بحثها( المرأة في ميدان البحث الأنتربولوجي), ورأي فتحية الباروني من تونس من خلال بحثها(دور المرأة في قطاع الصناعات التقليدية في تونس) ورأي السيدة عائشة التايب من تونس في بحثها(المرأة والبحث في السوسيولوجي في تونس, الممارسة والحيثيات) والسيدة حنان الشاذلي بما ذكرته في بحثها(المرأة المدمنة بين طريق التعافي ورفض المجتمع) والسيدة إحسان مهدي من السودان في بحثها حول (جدلية العلاقة بين البحث النسائي والواقع الاجتماعي والسياسي في السودان والسيدة آمال سليمان العبيدي في بحثها(اتجاهات البحث العلمي للمرأة في الجامعات الليبية)..
والسيدة عائشة تاج من المغرب وبحثها(مجالات اهتمام البحث النسائي) المشابه لبحث السيدة فادية حطيط من لبنان(ميادين اهتمام الباحثة اللبنانية وإسهامها المعرفي).
وكما نرى فقد كانت تجربة المرأة محور معظم الأبحاث العربية خلا بحث الدكتورة ليلى خليل داوود من سورية »أثر بعض العوامل الثقافية الاجتماعية في إدراك الخداع البصري الهندسي« وبحث السيدة ميساء نعامة من سورية أيضا (علم الاجتماع والظواهر الاجتماعية), ولعلّ ما أغنى المهرجان النقاشات التي أبرزت جوانب التلاقي والاختلاف بين آراء الباحثات, واهتمام الباحثات بالمرأة تحديدا كباحثة لها معاناتها الخاصة في المجتمع العربي, حيث تم التنبيه الى أن المرأة الباحثة لم تخرج كثيرا عن دائرة إحساسها بالمعاناة رغم تأكيد معظمهن على قضية هامة وهو تفوق المرأة عدديا بالنسبة للتعليم الجامعي في مصر وتونس وبعض الدول الأخرى, وهذا غير مسار البحث ليكون هناك تساؤلات حول هذا الموضوع وهي: لماذا إصرار المرأة العربية على البقاء ضمن دائرة البكاء على حظها كمضطهدة من قبل الرجال والمجتمع, دون الدخول في طريق البحث عن أسباب هذا في مجتمع عربي يعاني من التخلف الواقع على جميع دارات المجتمع بما فيها الرجل والمرأة.. .
ثلاثة أيام بين العاشر والثالث عشر من نيسان وعلى مدى ساعات الصباح وبعد الظهر, والأبحاث تتتالى, والنقاشات تدور, وهيئة المهرجان تتابع, والإعلام يعمل على أوسع نطاق, صحافة مقروءة ومسموعة ومرئية, مع تسليط الضوء على الباحثات والأبحاث, ومن حضر من الإعلاميين العرب لينتقل التفاعل خارج القاعات والردهات الى باقي ساحات المجتمع التونسي والعربي, مما جعل صدى المهرجان واسعا وعاليا, فكانت الأبحاث مؤشرا لمستوى المرأة العربية في مجال البحث الأكاديمي لعلوم الاجتماع, التي تأكدت المرأة من خلال المهرجان أن عليها العمل والاشتغال على نفسها أكثر فأكثر.
وهنا لا بد من ذكر أمر هام, وهو أن حضور المبدعة السورية في هذا المجال كان لافتا ولاسيما ونحن نعود الى ما نقله لنا الأنترنت من مقالات كثيرة ولقاءات أكثر...
وينتهي المهرجان, ويقترب الوداع , وداع إدارة المهرجان بالإبتسامات, رغم الإرهاق, لكل الضيوف, ووداع الزائرات لهذا الشعب المضياف, ولسوسة الجميلة ببحرها وسمائها, وناسها, بكل ما تحمله قلوبهم من محبة ونقاء للقادمين وأمل بالعودة للذاهبين الذين استمتعوا بالعلم الى جانب أنشطة موازية كثيرة تركت الفرحة والبهجة في النفوس طوال أيام المهرجان والذكرى في القلوب التي لن تنسى هذا المهرجان وهذا الشعب وهذه المدينة الجميلة.