فكأنما التكتيك المقصود والمعنى الأبرز هو تكتيك الحركة أولاً وقبل أي شيء آخر.
ولنا أن نتخيل الحالة التي سيؤول إليها العرض فيما لو سحبنا منه ميزة الحركة المشغول عليها بعناية وعلى أكثر من صعيد ضمن لعبة إخراجية يجتهد فيها العمايري.
هكذا نلحظ الرقص تمثيلاً والأداء حركة راقصة وغيرها من تشابك وتزاوج فنون الأداء.
الأمر الذي يبرر تواجد فرقة سمة للمسرح الراقص في فواصل راقصة بحتة و مشاركة في أكثر من مشهد تمثيلي غير راقص فبدت كما لو أنها ضابط لإيقاع العرض بالعموم.
على سبيل المثال وجود (يارا عيد) كراقصة ثم مؤدية لدور (الظل) كذا مرة منح الحركة بعداً مزدوجاً ولاسيما عندما أدت تلك المشاهد الثنائية مع ممثلة أخرى, فكانت كصدىً ليس لحركة الشخصية الأخرى وحسب وإنما صدىً حركياً لحالة داخلية تعتمل وتكاد تنفجر غضباً لوضعية خاطئة ظالمة, خنقت تلك الشخصية المعنية.
فبينما تعبّر شخصيات مثل (بيسان) أدتها راما عيسى و (رميز) أدتها نسرين فندي وتحكي معاناتها الشخصية بأسلوب غاضب يأتي أداء يارا عيد مكرّساً ومؤكداً لفحش الظلم المرتكب معبّراً أقوى ولو من الناحية البصرية, فالمتلقي (يستمع) لحكاية الشخصية تسردها هي نفسها, و (يرى) كمستوى ثان للتلقي.. بمعنى: يرى الحكاية مروية-بصرياً- جسدياً, من قبل يارا (الظل).
أسامة حلال بدوره روى قصته بأسلوب أدائي حركي لافت إذ نستمع إلى حكايته بطريقة مزدوجة التعبير تتكرر الرؤية الإخراجية ذاتها ولكن الممثل هنا وحيد وستكون مهمته تقديم مستويين من الأداء يسرد قصته صوتياً وحركياً.
ومع أن الحركة كانت حاملاً حقيقياً وعنصراً وظيفياً أساساً في منح القالب الشكلي العام للعمل بعداً جمالياً ما, ومع أن الأسلوبية الإخراجية للعمل عموماً تؤكد امتلاك عمايري دون شك مقومات متطورة حقيقية لقيادة دفة العمل المسرحي فإن كل ذلك لم ينهض بفكرة العمل الأساسية, ذلك أن الفن الرائع الجميل هو الفن الذي يبث سيلاً من مشاعر وأحاسيس تجبر المتفرج من تلقاء نفسه على مشاركة الشخوص الكائنين أمامه على الخشبة تلك المشاعر والأحاسيس.
وإلا لماذا لم نكن في لحظات عديدة من المسرحية غير قادرين على التفكير عميقاً- أو الإحساس حقيقة بهول ما يطرح أمامنا.
هل كان ذلك بسبب فقدان الحبكة المتقنة القادرة على الجمع بين مختلف أركان القصة المعروضة أم كان وليد الشعور بإقحام بعض الشخصيات مع حكاياها دون وجود مسوّغ مقنع لظهورها.
ولربما كان كل هذا ناجماً عن تغليب الاشتغال على القالب الإخراجي وإيلائه من الاهتمام أكثر بكثير مما نالته فكرة العمل..
ويبقى (تكتيك) بالرغم من كل شيء إضافة جديدة لعبد المنعم عمايري وحضوراً مسرحياً لفنان حقق تواجداً تلفزيونياً مميزاً, يقدم أدواره بكل عشق وبراعة قل نظيرها ويسجل له التفاته الدائم للهاجس المسرحي لديه.