بريماكوف مسيرة حياة طويلة لم تكن مشواراً وردياً على الإطلاق وقد كان حصادها مثمرا في معظم الأحيان ولاسيما في الربع الأخير من القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين
وهذا يتأتى من الدور الذي أداه في السياسة الروسية والدولية من خلال مواقع قيادية متعددة شغلها يضاف إلى ماسبق أن العالم في هذه المرحلة كان ولا يزال يعيش مرحلة تحولات حادة ظن الكثيرون لحين من الزمن أن هذا التحول قد حسم لصالح الولايات المتحدة الأميركية فإذا بالأمور تختلف وتتغير الوجهات ,كيف يرى بريماكوف هذه التحولات التي أشار إلى إرهاصاتها الأولى وإلى ما قد تسفر عنه حقول ألغام السياسة»? مذكرات بريماكوف في الحياة والسياسة كتاب صدر حديثاً في موسكو ترجمه إلى العربية عبد الله حسن وصدر عن دار الفكر بدمشق في طبعة أنيقة تقع في 560 صفحة من القطع الكبير.
قبل كل شيء لابد من الإشارة إلى أن بريماكوف المولود في كييف عام 1929 كانت الصحافة تمثل المرحلة الأولى من حياته العملية وقد اجتاز هذا الدرب من العمل كمراسل للإذاعة والتلفزيون إلى المراسل الخاص لصحيفةالبرافدا في الأقطار العربية ومنذ ذلك الحين ربطته روابط وثيقة بالعالم العربي.
في نهاية الثمانينات انخرط بريماكوف بنشاط في العمل السياسي فتولى رئاسة مجلس الاتحاد السوفييتي الأعلى ثم أصبح عضواً في مجلس الرئاسة ومجلس الأمن القومي في الاتحاد السوفييتي وفي التسعينيات تولى منصب مدير جهاز المخابرات الخارجية ثم منصب وزير الخارجية وفي أيلول 1998 تولى منصب رئيس حكومة روسيا الاتحادية وفي الوقت الحاضر يتولى بريماكوف رئاسة غرفة التجارة والصناعة في روسيا الاتحادية.
في وزارة الخارجية:
يتوقف تحت عنوان توسيع الناتو لقد فوتنا جميعاً الفرصة ليؤكد أن ما نراه الآن من نقاش وحراك حول توسيع الناتو ووصوله إلى تخوم روسيا ليس وليد السنوات القليلة الماضية بل بدأ عملياً مع انتهاء الحرب الباردة فبدلاً من أن تهدأ الأمور اتجهت الولايات المتحدة نحو التمدد والاقتراب من حدود روسيا واستفزازها يقول بريماكوف:
تجدر الإشارة إلى أن سياسة توسيع الناتو قد ولدت ليس أثناء الحرب الباردة بل مع نهايتها, ويضيف لقد عدنا إلى الأرشيف أيام توحيد ألمانيا ورأينا أن زعماء الدول الغربية الكبرى الأعضاء في الناتو وقتذاك قد أكدوا للقادة السوفييت أنه لا توجد لديهم أي فكرة حول توسيع الحلف وقد جرى هذا التعهد لدوافع مفهومة تماماً هي حث موسكو على اتخاذ القرار بشأن سحب القوات السوفييتية من أوروبا الشرقية وإخماد اهتمام حدوث رد فعل إزاء انهيار معاهدة وارسو ويؤكد أن رغبة بلدان وسط وشرق أوروبا للانضمام إلى الناتو قد أملته اعتبارات كثيرة فهي بلدان تريد الانتماء إلى الهوية الأوروبية باعتبارها جزءاً منها ليس شرقها بل غربها والانضمام إلى المؤسسات الأوروبية وطريق الناتو يسهل ذلك, ثم يشير بريماكوف إلى أن روسيا تحمل جزءاً من المسؤولية فبعد تصفية حلف وارسو ومجلس التعاون الاقتصادي تخلينا عن حلفائنا السابقين ولم نعرهم الاهتمام, فلدى إلغاء مجلس التعاون الاقتصادي رمينا الطفل مع الماء من الطشت.
الشرق الأوسط:
ويتوقف بريماكوف عند جولاته في الشرق الأوسط ومحاولة إقامة السلام الشامل والعادل ويلخص الأمر بقوله: لقد أظهرت أحداث 2006م بشكل عام عدم إمكانية ضمان أمن إسرائيل دون إجراء تسوية شاملة للنزاع وهذا يعني وجوب إقامة الدولة الفلسطينية والتوصل إلي الحل السلمي مع سورية, ويضيف: يخطىء من يظن أن الولايات المتحدة الأميركية مهتمة الآن بالسلام في الشرق الأوسط بعد أن تورطت في العراق وأفغانستان وثمة دول صاعدة سيكون لها دور في العالم الجديد مثل الصين والهند.
ويتوقف عند قضايا كبرى شهدها العالم ولاسيما الحرب على العراق ويعنون: حرب كان يمكن ألا تقع ويشير إلى أن الولايات المتحدة تسترت على حجم الدمار الهائل الذي لحق بالعراق وفي المذكرات جولة داخل البيت الروسي حيث تبوأ المواقع القيادية.
إن محاولة القراءة والانتقاء من هذه المذكرات تبدو وكأنها تحمل شيئاً من العنوان. الكتاب رحلة شائقة تكشف أسراراً تضيء مناطق تحتاج بدورها إلى إضاءة.