تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


صفقة عالمية كبرى

الواشنطن بوست
ترجمة
الأحد 23 تشرين الثاني 2008 م
ترجمة :ريما الرفاعي

يشهد العالم اليوم اكبر تغيير في موازين القوة والنفوذ العالمي منذ نحو قرن. وادارة مثل هذا التحول تتطلب انظمة دولية جديدة واجراء مراجعة للمؤسسات والنماذج التي تقوم بالاعمال المالية والتجارية حتى الان. وباختصار حان وقت التفكير الجدي من اجل اجراء تغيير جوهري للخروج من الازمات الحالية .

لقد اجتمع قادة مجموعة العشرين الاسبوع الماضي في واشنطن بغية مناقشة بريتون وودس رقم اثنين, اي اعادة بناء النظام المالي العالمي وتجاوز اجتماع بريتون وودس الذي عقد بعد الحرب العالمية الثانية حينما انشئ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذان قاما بالادوار المنوطة بهما في العقود الماضية لكنهما, لم يعودا قادرين على مواجهة التحديات المالية العالمية في القرن الواحد والعشرين. ان قمة العشرين كانت مجرد مبادرة متأخرة, حيث درست الازمة من جميع جوانبها لكنها لمست الصعوبة الكبرى في اصلاح النظام المؤسساتي الحالي, حيث اشتملت خطة العمل المعلنة على قائمة غير واضحة لاهداف واسعة وكبيرة.‏

والواقع نستطيع القول ان القمة فشلت لسببين جوهريين : عدم وجود آليات لدى صندوق النقد الدولي او لدى سواه من اجل تنظيم المؤسسات المالية الحكومية او شبه الحكومية مثل اموال الثروة السيادية في الصين . والسبب الثاني هو ان قادة الدول المؤثرة مثل الصين والهند عبرتا عن عدم رغبتهما في المشاركة في منظمات دولية يشكل اغلبها من جانب القوى الغربية. ولماذا يتوجب على الصين والهند الاهتمام بصندوق النقد الدولي الذي يشكل فيه حجم تصويتهما معا5 % من مجموع الاصوات والذي يقاد عادة من قبل الأوروبيين (مع البنك الدولي الذي يقوده الامريكان )? ان التحدي الحالي لانشاء زبريتون وودز اثنانس يبدأ مع قيام الأوروبيين والأمريكيين بشكل طوعي بالتخلي عن استئثارهم بالوظائف العليا في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي واجراء مراجعة في احجام التصويت في كلا المؤسستين من اجل اعطاء القوى الاقتصادية الصاعدة دورا اكبر ما يضطرها الى دفع رسوم اكبر ايضا . وسيمهد هذا الطريق امام تقوية ادوار صندوق النقد الدولي في جمع ونشر المعلومات المالية وتطوير مستويات ورموز قوية وقيد التنفيذ للبنوك واموال الثروة السيادية, اضافة الى الاشراف على الانظمة المالية الدولية وداخل كل بلد على حدا , وذلك بالتنسيق مع البنوك المركزية.‏

ومن اجل اعطاء هذا النظام الجديد مزيدا من النفوذ السياسي,يتوجب على دول العشرين ان تمنح نفسها دورا اقوى للوصول الى صندوق النقد الدولي بهذا الشكل المتطور. لكن هذا لن ينجح, ليس بسبب الاليات المالية الدولية , وانما بسبب المنظمات التي تسيطر على التجارة والطاقة والبيئة ومساعدات التطوير والامن الذي يحتاج الى ان يكون مفحوصا بعناية. وينبغي على الرئيس الامريكي الجديد وادارته عندما تبدأ فترته الرئاسية ان يمسك بسلحظة بريتون وودس من أجل الاعتراف أمام العالم بان النظام العالمي الجديد يحتاج الى اعادة تشكيل من اجل بناء وتطوير رؤية اوسع. ولكن من أين تكون البداية? كما نصح دوايت ايزنهاور : اذا لم يتم حل مشكلة ما فعلينا تكبيرها وتوسيعها لتجد الحل. ان التغلب على هذه المشكلات تدريجيا او بشكل منفرد لن يجدي نفعا . ويكمن الحل في صفقة دولية كبيرة ربما تبدأ من قيام الولايات المتحدة وأوروبا بمراقبة جولة محادثات التجارة في الدوحة من أجل حث كل من البرازيل والهند على اتباع خطى الصين التي قامت بخطوات صعبة اقتصاديا للتقليل من انبعاث الغازات . اما روسيا فترى دورها الدولي قويا لذا باشرت العمل كمزود دولي أساسي بالطاقة مع التقيد باتفاق منع انتشار الأسلحة النووية .‏

هذه مجرد انفراجات مبكرة ستكون مساعدة ولا شك خاصة اذا حدثت تفاهمات في مجالات اخرى مثل الاتفاقية حول تغير المناخ , والتي قد تساعد في جلب الصين والهند الى النظام المالي العالمي بصيغته المطورة. وبطبيعة الحال , فان هذا النظام الجديد لن يكون نتاج جهد بضعة اشهر, ولن يكون تسوية أو اتفاقية منفردة وانما نتاج قائمة مرنة من التنازلات المتبادلة بين الدول العشرين أو الدول الرئيسية بينها . ولا ضير من الابقاء على الاجزاء الافضل و الأكثر فائدة من النظام الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية ووضعها في مكانها المناسب في اطار النظام الجديد .‏

ان الكثير من مشكلات السياسة الخارجية التي سترثها الادارة الاميركية الجديدة عن سالفتها تحمل مجازفات اكثر من الفرص (العراق وافغانستان وايران وباكستان وكوريا الشمالية والعديد من الدول الاخرى ) وهذه الادارة لن تقدم على مجازفات جديدة او تطمح لتحقيق نجاحات باهرة في السياسة الخارجية , وستحاول التقدم بحذر وتعقل .‏

لكن بالنسبة لمسألة انشاء نظام دولي جديد ربما ينبغي على الادارة الجديدة أن تظهر خيال وجرأة خاصة انها تبدأ من الصفر تقريبا. وعلى الرئيس اوباما أن يستغل الزخم الذي دفع به الى سدة الرئاسة من أجل تشكيل رؤية تستطيع اختراق المواقف الدفاعية دوليا وداخليا بما يمكنه من القيام بمبادرات ستؤتي ثمارها في وقت لاحق من ولايته الرئاسية.‏

لقد اتفق قادة دول قمة العشرين خلال اجتماعهم على معاودة الاجتماع مجددا في نهاية نيسان المقبل, الامر الذي سيقدم لادارة اوباما فرصة كبيرة للبدء في اعادة تشكيل قمة العشرين كتجمع يصلح لاطلاق هذه الصفقة الكبرى ليس عبر استبدال المؤسسات الحالية مثل الامم المتحدة, وانما العمل في اطار فريق دولي طليعي يضم أقوى الدول في العالم .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية