إن الجدل والنقاش حول مستقبل العالم لم يعد يقتصر على الدول الرأسمالية العظمى الغربية بل صارت الآن وفي واشنطن تجتمع حول الطاولة دول أخرى مثل الهند والصين وجنوب إفريقيا وتركيا واندونيسيا والبرازيل والأرجنتين والمكسيك في محاولة منهم للخروج بنظام مالي دولي تجنح سفينته , وهذا معناه أن الحاجة باتت ملحة لهكذا تقارب وإعادة نظر معمقة بالقواعد والقوانين المعمول بها في عالم المال, حيث اتخذ الانهيار المالي الذي بدأت بواكيره قبل عام حجماً خطيراً مهدداً بنشوء أزمة اجتماعية لا سابق لها تطول كل الكرة الأرضية, وتحول الضوء البرتقالي خلال بضعة أسابيع إلى ضوء أحمر ينذر بالخطر, فأوروبا بدأت تشهد أزمة انكماش اقتصادي بينما خطة بولزون القاضية بضخ 700 مليار دولار من أجل دعم النظام المالي في أضخم اقتصاد في العالم ستتبدد في تعويم المصارف الأميركية فقط, وقد بدأت صناعة السيارات العالمية تتأهب لتستريح الآن من عمالها والعديد من المصانع بدأت تقفل أبوابها في منطقة كانتون الصينية فيما صندوق النقد الدولي يعيد النظر مجدداً في معدلات النمو العالمية المنخفضة والتي وصلت إلى 5,2% مقابل 5,4% قبل ثلاثة أشهر.
وإن اتفق الجميع على خطورة الأزمة وعمق المشكلات إلا أن الوصفات العلاجية مختلفة وحتى متناقضة, وهذا لاشك سيؤدي إلى عرقلة القرارات المهمة المتخذة في هذه القمة وإن كانت السلطة في الولايات المتحدة في مرحلة انتقالية إلا أنها تبقى لغاية انتقالها إلى إدارة الرئيس المنتخب باراك أوباما في العشرين من كانون الثاني المقبل بين يدي الرئيس بوش, سوف تضطر مجموعة الثماني مرغمة بسبب وقع النتائج إلى الاتفاق على إطلاق مؤتمر آخر عقب ثلاثة أشهر من الآن.
وتلك المقاربات المطروحة المنطوية على خلافات جوهرية تشير بوضوح إلى التناقضات الكبرى القائمة بين الدول الأساسية القديمة في نظام بريتون وودز المقام على أساس هيمنة الدولار وكذلك المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين, واكتفى الرئيس الأميركي جورج بوش بالدعوة إلى إصلاح(رأسمالية السوق الحرة) بينما يشارك الرئيس الفرنسي نيكولاساركوزي هموم قارته بإجراء تعديل كبير يستند على خمس أولويات تم تبنيها منذ بضعة أسابيع من قبل الدول الأوروبية, وفي جميع تلك المقترحات المعروضة لايسعنا أن نكتشف فيها سوى بحث مضن على تبني نظام بعيد جداً عن تناول الأسباب أو اتهام المفاهيم التي قادت إلى مثل هكذا أزمة وإفلاس.
وتميز الرئيس الفرنسي بهجوميته على مزايا الدولار والذي غدا عقب إنشاء نظام بريتون ووذر العملة الوحيدة في العالم, وبرأيه لم يعد بإمكان الدولار الزعم أنه العملة الوحيدة في العالم . وبالتالي فقد لامس الرئيس ساركوزي وقبيل وصوله إلى واشنطن أحد الرهانات الأساسية في تلك اللحظة نظراً لأن العالم يتداعى تحت السيولة المنبعثة من الاحتياطي الفيدرالي, الأمر الذي يتيح الفرصة للولايات المتحدة العيش على حساب باقي العالم, إن الأساسي أبرزته هكذا قمة هي محاولتها التباحث في مسألة زعامة تعاونية غربية مع العم سام بعيدة جداً عن ضروريات إنشاء شراكة دولية تبرز الحاجة إليها الآن في المسألة النقدية ويخشى أن تنحصر وتختصر القضية في البحث حول هيمنة الدولار أو اليورو بينما الحاجة تقضي بالذهاب إلى أبعد من ذلك باتجاه إقامة تعاون نقدي دولي.
وفي الواقع إن إنشاء عملة عالمية مشتركة ينبغي أن تدرج على جدول الأعمال للحاجة لها أكثر من ذي قبل من أجل تحويل أعمال يحتاج لها العالم أجمع للخروج من أزماته عبر منح الدول النامية الخطيرة الوسائل الكافية لإنقاذها منها وكذلك من أجل مواجهة التحديات المحيطة بالمناخ, كما طالب قبيل انعقاد هذه القمة رئيس الوزراء الهندي ما نموهان سنغ وطالب معه جميع ممثلي الدول المنبثقة وظل الغائب الأكبر عن هذا الاجتماع الدول الفقيرة.