وقد وضعت الخطة الخمسية العاشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية كأحد أهم أولوياتها ضرورة تحقيق تطور نوعي في حياة المرأة السورية وإدخال قضايا النوع الاجتماعي كمتغيرات أساسية في البرامج والمشروعات التي ستنفذ خلال سنوات الخطة الخمس, كما وضعت رؤية متكاملة لتحقيق ذلك.
ويعد مجال التعليم أحد القطاعات الرئيسة التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف الوطنية لتمكين المرأة وتوفير الوعي بقضايا النوع الاجتماعي. ومن المؤشرات الإيجابية لذلك في سورية حضور المرأة المتميّز في الهيئات التعليمية والتدريسية للمراحل المختلفة, وهو حضور متميّزمقارنة ببقية الدول المجاورة, حيث تتجاوز النسبة نحو 64% في التعليم الابتدائي, وهي في مرحلتي التعليم الإعدادي (المكمل للتعليم الأساسي) والتعليم الثانوي 50%, وفي السلك الجامعي نحو 20%.
في المؤتمر الذي عقد مؤخراً في دمشق حول (إعادة تشكيل مكانة المرأة في المجتمع) وترأسته السيدة أسماء الأسد عقيلة السيد الرئيس والسيدة أمينة أردوغان عقيلة رئيس وزراء تركيا, , أوردت السيدة أردوغان في معرض كلمتها بعض الاحصائيات عما حققته المرأة في تركيا, فذكرت مثلاً أن اشتراك المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في تركيا يزداد يوماً بعد يوم وأن نسبة النساء في البرلمان أصبحت أكثر من تسعة في المائة , ونسبة المهندسات المعماريات بلغت 36%, والطبيبات والجراحات 29%, والمحاميات 33%, والعاملات في السلك الدبلوماسي 27%. وما يعنيني هنا على وجه الخصوص ما ذكرته السيدة أوردوغان من أن هناك إحدى عشرة رئيسة جامعة من بين رؤساء الجامعات البالغ عددهم 130 رئيس جامعة في تركيا.
ومما لاشك فيه أن المرأة السورية قد حققت تقدما ملحوظاً خلال العقود القليلة الماضية على صعيد مشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في سورية. فتبوأت مناصب رفيعة عديدة أبرزها نائب رئيس الجمهورية, كما كلّفت بعدد من الحقائب الوزارية, وانتُخبت في عضوية مجلس الشعب, واحتلت عن جدارة عدداً من المناصب الهامة الأخرى. لكن الكلام الذي سمعته من السيدة أوردوغان دفعني إلى تقصي وضع المرأة في جامعة دمشق لإلقاء الضوء على نسبة مشاركتها في التعليم والإدارة, ومقارنتها بالنسب العالمية أو بتلك التي نجدها في الدول المجاورة كتركيا.
وبنتيجة الدراسة الإحصائية التي قمنا بها, وجدنا أن عدد أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة ممن يحملون شهادة الدكتوراة يبلغ 1742 عضواً, وأن 321 عضواً منهم فقط من الإناث, أي أن نسبة الإناث من بين إجمالي أعضاء الهيئة التدريسية تبلغ 18% فقط, وهي نسبة تُعدّ قليلة إذا ما قورنت بنسبة الذكورالتي تبلغ 82%. لكن التعمق في الدراسة على مستوى الأقسام والكليات والمناصب الإدارية العلمية يعطي صورة أوضح عن مدى مشاركة المرأة في الحياة الأكاديمية, وعن نوعية تلك المشاركة. فعدد أعضاء الهيئة التدريسية من الإناث في بعض أقسام كلية الآداب كقسمي اللغة الفرنسية واللغة الإنكليزية يتجاوز عدد أيضاء الهيئة التدريسية الذكور. ولكن هناك بالمقابل أقساماً لاتتضمن في عضوية هيئتها التدريسية أحداً من الإناث على الإطلاق, كقسم الجراحة في كلية الطب وهوثاني أكبر قسم في جامعة دمشق بعد قسم اللغة العربية, ويبلغ عدد أعضائه ستين عضواً; وكذلك الحال في قسم جراحة الفم والفكين في كلية طب الأسنان وعدد أعضائه خمسة عشر عضواً كلّهم من الذكور, وقسم الجيولوجيا في كلية العلوم وعدد أعضائه ستة وثلاثون عضواً كلهم من الذكور, وكافة أقسام كلية العلوم السياسية.
والحال مختلف في كلية الآداب بجامعة دمشق حيث تبلغ نسبة أعضاء الهيئة التدريسية الإناث 45% , وفي كلية التربية تبلغ نسبة الإناث 42% من أعضاء الهيئة التدريسية, و36% في كلية الصيدلة, وهي نسب تعدّ جيدة, كذلك الأمر بالنسبة لكلية الطب البشري (19% ), وفي كليتي طب الأسنان والهندسة المعمارية 23%, بينما تقل عن 5% في كليات الهندسة المدنية والميكانيكية والكهربائية, وهي نسب غير مقبولة بالمعايير العالمية.
أمّا على مستوى المناصب الإدارية العلمية في جامعة دمشق فإننا نرى أن نسبة ترؤس الإناث لأقسام كلية الآداب يصل إلى 42% , وإلى 38% في أقسام كلية التربية, و25% في أقسام كليات الطب والعلوم والعمارة, و20% في أقسام كلية طب الأسنان. في حين لا نجد أية رئيسة قسم في كليات الاقتصاد والزراعة والحقوق والشريعة والفنون الجميلة وغيرها.
وهناك حالياً عميدة واحدة في جامعة دمشق من بين كل عمداء كليات ومعاهد الجامعة البالغ عددهم 24 عميداً. كذلك هناك نائب واحد لرئيس الجامعة من الإناث من بين نواب رئيس الجامعة الأربعة. والجدير بالذكرأن مجلس الجامعة السابق كان يضم في عقده عميدتين على قدر كبير من الكفاءة العلمية والإدارية وكانتا خير دليل على قدرة المرأة على الإدارة العلمية الجامعية.
إن هذه الإحصائيات التي قامت بها جامعة دمشق تعكس واقع مشاركة المرأة في الحياة الأكاديمية, وهي تظهر نسب مشاركة جيدة للمرأة في بعض الكليات دون سواها, لكنها دون شك نسب تحتاج إلى تحسين بشكل عام.
كما يجدر بالدارسين البحث المعمّق في الأسباب الاجتماعية الكامنة وراء اختفاء العنصر النسائي تماماً في بعض الاختصاصات الهامة كقسم الجراحة في كلية الطب, وندرتها في أقسام وكليات أخرى ككليات الهندسة.
مما لا شك فيه أن جامعة دمشق معنية بخدمة المجتمع وتطويره, وهي بالتالي حريصة على العمل مع الجهات العامة والخاصة المعنية بشؤون المرأة والأسرة كوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل, والاتحاد النسائي, والهيئة السورية لشؤون الأسرة, والمنظمات غير الحكومية, تحقيقاً لأهداف الخطة الخمسية العاشرة, وذلك من خلال تطوير أقسامها العلمية المختصة, وتقديم الخبرات والكفاءات العلمية العاملة لديها, وتوجيه البحوث في بعض هذه الاختصاصات. لكنها أيضاً معنية بإشراك المرأة في العملية التنموية العلمية والإدارية فيها, ليس من باب المساواة في توزيع الحصص, بل من باب الاستفادة القصوى من الكفاءات الكبيرة التي تجدها عند الإناث والذكور على حد سواء, وإحقاقاً لحق المجتمع في الاستفادة من المرأة المبدعة. وإننا لنطمح أن نرى المرأة تُمثّل في الإدارات الجامعية كافة بنفس نسبة تواجدها في عضوية الهيئة التدريسية, أسوة بالجامعات العالمية الأخرى, فهذا حق المجتمع كلّه علينا.