تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عندما تعربد الكاميرا!!

فضائيات
الأحد 23 تشرين الثاني 2008 م
حسن حسن

ظل الباحثون يحذرون من الثقافة الوافدة والغزو الفكري الغربي, القادم عبر الفضاء الأجنبي حتى التحق العرب منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي بالركب الفضائي,

وراح الباحثون وأهل الإعلام يؤكدون أن الفضاء العربي سيكون حائط الصد للغزو الغربي لكن جاءت رياح هذا الفضاء بما لاتشتهي السفن, وأصبح الفضاء العربي جسراً للغزو الفكري الغربي بعد أن اقتصرت مهمته على تعريب القيم الوافدة ليصبح أكثر خطراً من الفضاء الأجنبي الذي كان حاجز اللغة يحول بينه وبين اتمام مهمته بل إن كثيراً من الفضائيات الأجنبية أكثر رصانة ووقاراً واحتشاماً واحتراماً للعقل من الفضائيات العربية.‏

المشكلة كانت ولا تزال في طبيعة المادة المقدمة في هذه القنوات, فقد مثلت المواد الترفيهية النسبة الأكبر في المشاهدة بالإضافة إلى برامج المنوعات الخفيفة وخطورة هذه البرامج أنها تأتي محملة بمضامين لا تتناسب مع طبيعة القائمين على هذه القنوات, كما أن معظمها موجه لفئة الشباب ما يعني أن المعروض في هذه القنوات يهدف إلى خلق خطاب مقبول بين شباب الحاضر بغية التحكم في المستقبل, ناهيك عن أن ساعات الإعلان الطويلة التي تبث عبر القنوات الفضائية تؤثر على عادات وسلوكيات الجمهور الاستهلاكية,‏

وخطورة هذه السياسات أنها تحول المشاهد إلى متلق سلبي لما يطرح عليه من سلع فإما أن يكون مستهلكاً لها أو يصيبه الإحباط والتوتر أو يصبح شديد الارتماء في أحضان مشاهدة هذه الإعلانات ونماذج الفتيات العاريات اللاتي أصبحن جزءاً من الإعلان عن أي سلعة.‏

لكن ما أخطر أغاني الفيديو كليب وانعكاساتها على الحياة اليومية للشباب العربي من خلال لغة الأغاني والتسويق للموضات والملابس العالمية وعولمة لغة الجسد عن طريق الرقصات والحركات والإيماءات الجنسية التي تجعل الشباب نسخاً مكررة من النماذج الغربية, هذا إذا ماأضيف إليها المضمون البصري لأغاني الفيديو كليب الذي يتجلى ذلك من خلال تجسيد المطربين أو المطربات للنموذج الغربي من حيث المظهر أو الشكل أو من خلال ملابسهم.‏

إنها أغان تعتمد لا على الكلمات الرصينة والمعبرة عن البعد والهيام وغياب المحبوب واللوعة والغرام, ولا هي مترافقة مع لحن طروب يشد أذن المشاهد ليكون الشاهد والأدهى. والأمر الأصوات الناعقة بهذه الأغاني التي لا تنتمي إلى عالم الغناء أو الطرب ولم تخضع لمعايير التطريب والإنشاد, كل ما في الأغاني الهابطة أجساد مكتنزة ومثيرة للمشاهد ومحركة للغرائز, وتجيد المغنية أو ممثلة الإغراء استعراضه أمام كاميرا وقحة وتتراقص مع تراقص ممثلة الاستعراض وتنزل الكاميرا إلى مواطن الفتنة تحت التنورة وفوقها وتدخل العدسة إلى المناطق المتنازع عليها بين قيم الأخلاق والعفة وقيم الترويج باستخدام اللحم الأبيض, ما يعرض المشاهد إلى سيل من الاستثارات باستخدام أسلوب الارتباط الشرطي للعالم الروسي»بافلوف« وأسلوب الإثارة الشرطية وتجربة الكلب وإفراز اللعاب وقرع الجرس, يعرفها جيل الشباب ويستخدمها علماء الإعلان لإحداث استجابات إيجابية عند المتلقي إذا ما أريد الترويج لسلعة أو خدمة معينة.‏

في أغاني الفيديوكليب هذه يمكننا القول: إن الكاميرا تعربد بفجور حول الجسد وتتولى ممثلة أو ممثلات الإغراء المطربة الحسناء الإجهاز على المتلقي باستخدام كل الحركات المثيرة والمقززة أحياناً.‏

ونسأل هل يمكن تبرير كل ما يحدث تلفزيونياً? هل يمكن وعلى حساب قتل الرقيب أن نتنازل عن مستقبل الأبناء? هل يمكن لجماعة التبريرات الاقتصادية أن تصادر حقنا في أن نحمي الساتر الأخلاقي لجيل الأبناء?, إن الفرق بين الحرية والانفلات فرق في الجوهر والمحتوى والمضمون وهو فرق يجب أن ندافع عنه, فدعوتنا لحرية الإعلام لا تعني فتح الباب للفجور والانحراف الأخلاقي والترويج للإثارة باستخدام اللحم البشري.‏

وهذه دعوة ليست لمصادرة حرية الإعلام ولكن البون شاسع بين هذا وذاك, لانريد تكميماً للأفواه عندما نطالب بحق أو ننتقد ممارسة غير مسؤولة ولكننا نطالب بتدخل ورقابة صارمة عندما تنتهك حرماتنا وتخدش أخلاقنا ويتحول الغناء إلى وصلة رقص باستخدام كل المفاتن المتاحة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية