وبمقدار ما تكون هذه الأسئلة مما يحرك في الإنسان شغفه على البحث، وتحرض عقله على الافتراض الباحث عن الأدلة والبراهين، تكون قادرة على التأسيس لمعرفة متينة.
يعرف المنشغلون في حقول الثقافة أهمية القدرة المتواصلة على طرح الأسئلة، حتى لقد اعتبر السؤال حائزاً على الاهتمام، والسبق على الإجابة. في السؤال تحد وتحريض للعقل، وربما امتحان له، يكون حريصاً على الاستجابة له، وفي الاستجابة تكمن الفائدة. والسؤال عندما يطرح يحتاج إجابة، وتكون هذه الإجابة أو محاولتها هي الهدف. ومن يعرف هذا المناخ، كثيراً ما يرحب بتعدد الأسئلة والإجابات، حتى لو كان أحد من تصدوا لها، ويعتقد أن إجابته هي المقنعة والأفضل، لكن في الإجابات الأخرى ما يضع إجابته في حال المنافسة، وهذه الحالة تعمل على الوصول إلى الأفضل.
أهمية السؤال تتحدد بوضوحه أولاً، وبأهمية القضية التي يثيرها ثانياً، وفي انتقاله من البسيط إلى المركب ومن السطحي إلى العميق ومن الحسي إلى العقلي..إلخ، ثالثاً، وفي القدرة على الإجابة عليه إجابة تتدرج في تنمية الحقيقة وفائدة المجتمع رابعاً، ولا ننسى الظرف العام الذي يطرح فيه السؤال، والشخص أو الجهة التي تطرحه، وعلى من يطرح، وأشياء أخرى يتحكم بها الظرف العام للقضية موضع التساؤل.
من لا يحسن طرح الأسئلة على نفسه، وعلى الآخرين، ليس قادراً على الانخراط في عالم الثقافة الجادة. من هنا كان اختلاف الإنسان عن كافة المخلوقات، وعندما نقول إن الإنسان حيوان مثقف، يعني أنه باحث عن معرفة، بمعنى أنه دائم التطوير لتجاربه وحياته، ينطلق من إجابة على سؤال تحل معضلة، إلى سؤال آخر، وهذا ما جعله المخلوق القادر على تطوير أدائه بعكس كل المخلوقات الأخرى. فالحيوان المفترس لم يطور طريقة افتراسه عبر وجوده كنوع، وغريزته هي التي تقوده، وبالتأكيد هو لم يعرف طرح الأسئلة التي تنقله من حال إلى حال، في حين انتقل الإنسان بعد كل تجربة خاضها إلى مرحلة أفضل عندما بدأ يطرح على نفسه الأسئلة عن كيفية تطوير أدائه. ويدفعه فضوله بعد كل إنجاز ينجزه أن يبني عليه غيره. وفضوله نشاط عقله.
يفترض الباحثون أن حياة الإنسان باعتباره مخلوقاً فضولياً وقلقاً، بدأت بإثارة الأسئلة، وكانت أسئلته متمحورة على الكيفية/ كيف يتجنب الضواري والمخاطر؟ كيف يؤمن طعامه؟ كيف يحمي نفسه من عنف الطبيعة، الحر والبرد والرياح والفيضانات..إلخ؟ كيف يؤمن استمرار وجوده؟ وهنا نلاحظ أهمية السؤال وأهمية وشكل الإجابة والاستجابة القادمة.
كثيرة هي الأسئلة التي تتمحور حول تأمين الغذاء والنشاط الجنسي والدفاع عن النفس، أي عن البقاء. وفي كل إجابة تحصيل لخبرة جديدة، ودفع نحو أسئلة أعقد حسب منطق الحياة، ويصبح فكره باحثاً عن حلول لمشكلات مركبة. وكانت «كيف؟» هي طريق العلم.
لقد قاده السؤال عن الكيف إلى طريقين، الأول يحمل إشارة عجزه فيلجأ إلى السماء، إلى قوى الغيب ليحصل منها على تبرير، أو لتهديه إلى التصرف الصحيح، اعتقاداً منه أن هذه القوى الماورائية هي التي تحرك المشهد الطبيعي الذي يواجهه، فنشأ خوف الإنسان من هذه القوى وخضوعه لها، وهو لا يعلم عنها شيئاً. والطريق الثاني قاده إلى اختراع الأدوات والأساليب التي يواجه بها ما يقدر على مواجهته، وهذا هو طريق العلم الذي لا يزال مستمراً في إيجاد الوسائل التي تعمل على حل المشكلات في حياة الإنسان.
سؤال الكيف أدى بالإنسان إلى سؤال آخر يفرضه الأول، إنه البحث عن المبرر، أو المعرفة في مستواها الأعمق الذي يقصد كنه الأشياء. إنه السؤال «لماذا؟»، لماذا أجوع، لماذا أموت؟ لماذا أبرد؟ لماذا الحياة؟ لماذا الكون؟ أسئلة كثيرة، كانت الأكثر تعقيداً، والأصعب إجابة عليها. إنها الأسئلة التي تدل على اشتغال العقل بنشاط أكبر، فإذا كان الحيوان قد تعلم كيف يدافع عن نفسه بغريزته، وكيف يحصل على قوته، فقد عجز عن التبرير واكتساب المهارات المتجددة بتوظيف الخبرات والتجارب، أو الإجابات النهائية، في حين كان الإنسان لا يرضى في المرحلة الثانية من نشاطه العقلي، بأقل من الحصول على إجابات دقيقة، أو غير قلقة. وهذا الطريق مكمل لطريق العلم في تكامل وعي الكون. والإجابة على السؤال «لماذا؟» تكفلت بها الفلسفة التي لم تصل، وربما لن تصل، إلى نهاية إجاباتها على الأسئلة المتجددة والمعطيات التي تقدمها العلوم فتجدد الدور.
لقد عرف الإنسان كيف يحافظ على بقائه، عندما أصبح يتناول أطعمته ويحمي نفسه من عناصر الطبيعة، وعندما يتزاوج ويتوالد. ثم زاد على هذه المعرفة عندما تعلم كيف يطور الأداء عن طريق معرفة خصائص المواد وكنه الحياة والمرض والموت، ولم يعد ينتظر أن تأتيه المعلومات عن طريق الصدفة، أو أن يجد طعامه بالبحث في كل مكان. لقد تعلم كيف يزرع ويحصل على الغلال الزراعية، أو كيف يربي الحيوان للغاية ذاتها. وأصبح السؤال يلح عليه أكثر فأكثر، فعمد إلى التجريب.
يروى أن الجاحظ وهو اليتيم الفقير كان يأخذ حفنة القمح ويضعها قرب وكر النمل ثم يجلس ساعات يراقب نشاط هذه الحشرات ليعرف أساليب تصرفها، قبل أن يكتب كتاب الحيوان. وتطورت التجارب من الملاحظة والمراقبة التي أصبح الإنسان يصنع شروطها وحيثياتها، عندما تطور عنده السؤال كيف يعرف أكثر؟
لقد بدأ السؤال عن الوجود وغايته، وهو سؤال يدل على تطور عقلي كبير، وقاد هذا السؤال إلى سؤال آخر، هو السؤال عن الخير والجمال، وهذه نقلة هامة في عالم إنسانية الإنسان وتميزه بالإحساس بالجمال وفعل الخير، ثم إلى سؤال ثالث عن المعرفة، وفي كل سؤال منها قفزة إلى الأمام. فسؤال الوجود: ما الحقيقة؟ ثم السؤال: ما الخير وما الجمال؟ ثم السؤال: كيف نحصل على الحقيقة، أو هل يمكننا الحصول عليها؟ وكيف نوظف ذلك في السيطرة على الوجود، أو فعل الخير أو امتلاك الحقائق؟
أهمية هذه الأسئلة في الجهد البشري الذي ولدته أو حركته من أجل الإجابة. وهذا هو حراك الإنسان على امتداد وجوده، إنه فعل الحضارات وما قدمته من إجابات في حقول الحياة جميعاً: في الدين، في الفكر والفلسفة، في العمل والنشاط الاقتصادي، في العمران، في الفنون والآداب في الأخلاق، في السياسة والعلاقات الاجتماعية، في كل مجال.
الحضارات إجابات على أسئلة طرحتها الحياة على الإنسان، وتلك التي أصبح عقله النشط الذي لا يقف عند حد، يولدها ويستنبطها من بعضها ومن الإجابات. والعقل طاقة حرة وسيدة تتعرف على نفسها بالقدرة على الوصول إلى الحقيقة، لا يوقفها عن البحث عنها إلا الوصول إليها، كما يعرفه ناصيف نصار. لم تعد أسئلته تدور حول محيطه الحيوي او تأمين حاجة بقائه المؤقت
لقد أصبحت أكثر تعقيداً، لقد أصبح طموحه يدفعه للتطاول أكثر وأكثر على ما كان يعتبره في مراحل سابقة غاية في السرية والانغلاق، ولم يجد إليه طريقاً إلا عبر القوى الغيبية أو الماورائية، التي يسائلها بكل تواضع واحترام وهيبة وتقديس، لتجيبه على أسرار الكون المفارق، بل والمباطن، أي أسرار العالمين الخارجي والداخلي. لقد امتد به الفضول، وأسئلة العقل القلق إلى معرفة أسرار المرض، وأسرار التفكير، والأحوال النفسية، وأصبح الجسد البشري ميداناً للتجارب في سبيل الإجابة عن كثير من هذه القضايا. كما قاده هذا الفضول لارتياد الكون ومعرفة أسراره، من أعماق الأرض إلى الفضاء اللامتناهي، حتى لقد شعر الإنسان بعبثية الكثير من هذه الأفعال التي تتوالد بفعل الأسئلة، كل إجابة تقود إلى سؤال جديد، دون التطلع إلى النفع والضرر أحياناً، وإلا لما كان وصل إلى اختراع ما يدمر حياته. لكن العلم لا يقتنع إلا بما يقوده إليه نشاطه، وما يطرحه على نفسه من أسئلة. ويبقى دور الفلسفة أو العلوم الإنسانية إيجاد المبررات الاجتماعية أو العقلية. ويبقى الإنسان هو المسؤول عن طرائق ومجالات استخدام العلم.
حمى الأسئلة قادت الحضارات إلى إنجازات مذهلة، ومع أن هذه الإنجازات لم تخل من الكوارث التي صنعها الإنسان في خضم إجابته على الأسئلة، وفيما اخترعه مما يصنف في موقع الكارثة على البشرية، لكن لم يكن منه بد للنشاط البشري الذي يكمل بعضه بعضاً، وتجد القنوات فيه ما يسد ثغرات الإجابة على الأسئلة المتجددة، فتكوين الثروات يحتاج إلى حمايتها كي لا يكون فعل تكوينها يبدو قلقاً أو في مهب الريح، تعصف بها الأطماع، ما جعله يخترع إلى جانب الأرزاق التي تؤمن الحياة والثروات التي تؤمن الديمومة، الأسلحة التي تؤمن دوام وحماية كل ذلك. وإذا كان من شأن الأرزاق والثروات حماية حياة الإنسان وضمان استمرارها، ففي الأسلحة دمار هذه الحياة وفناؤها. لكن لا يصح هذا دون هذا.
لقد سأل الإنسان في كل حضارة، كيف يجعل حياته أدوم وأسهل وأرقى، وفي خضم الإجابة على السؤال طور أساليب بقائه أكثر وبسهولة ويسر أكثر، وبسوية أعلى من رغد العيش.
يتحدث بيير شونو وهو يقدم الوصف التفصيلي الدقيق، للحضارة الأوربية في عصر الأنوار، عن تلك الجهود التي بذلها الأوربيون في إجاباتهم على الأسئلة، كيف تكون حياتهم أدوم وأسهل وأرقى. لقد كانت إجابات عملية ونظرية، فالفلاسفة والمفكرون انخرطوا في تفكير بدأ دون أن ينتهي، ويصعب على أي شخص أن يلم به، فالمنخرطون في هذا التفكير لم يعودوا أشخاصاً معدودين، إنهم كل القادرين في المجتمعات الأوربية، قدموا إجابات في كل شؤون الحياة والفكر، وها هو إنتاجهم يبهر العقول!
وفي الجانب الآخر، كان العلماء والفنيون والاقتصاديون الباحثون عن الثروات، والبشر العاديون يمارسون حياتهم ويطورون أساليب عيشهم وأساليب الحصول على الثروات والأرزاق بكميات أوفر تضمن لهم نهاية القلق على حياتهم ومستقبل مجتمعاتهم فخلال عصر الأنوار تمكن الأوربيون من هزيمة الطاعون للمرة الأخيرة، مع ضمان عدم عودته إلى أوربا، وبالوسائل العلمية ونشاط الناس في مواجهته.
ويلاحظ محمد الحداد في كتابه «قواعد التنوير» أن السكان المسيحيين في تونس، والذين أخذوا بالتعاليم الأوربية في مواجهة الوباء بعد قرنين من الأنوار الأوربية، استطاعوا تجنيب أنفسهم واحبائهم وباء الطاعون. في حين كان ضحاياه من السكان الذين التزموا بما جاء في رسالة الفقيه ابن حجر، والتي يدل عنوانها على مضمونها، وهي «بذل الماعون في فوائد الطاعون»، والتي اعتبرت أن مقاومة الطاعون هي مقاومة لقدرة الله وإرادته، وتعد عليها، ما جعله يحصد أرواح غالبية السكان.
وفي هذا العصر «الأنوار» تمكنت أوروبا من ضمان إمداد الغذاء المستمر دون الخوف من تكرار نقص الغذاء وحصول المجاعة. لقد ربطوا بلادهم بطرق برية وبحرية تصل إلى كل مواقع إنتاج الغلال فيما لو شحت غلال أوروبا ولم تعد تكفي مجتمعاتها. لقد ترافق ذلك مع تطور علوم الميكانيكا والمواصلات للنقل عبر البحار وعلى اليابسة، ومن الممتع الاطلاع على كل تلك التطويرات كما يصفها «جون ستيل جوردن» في كتابه «إمبراطورية الثروة».
هذه المنجزات الحضارية وغيرها مما حدث، هي تلك التي كانت إجابات على الأسئلة عن كيفية جعل حياة الإنسان أقل عناء وخوفاً وقلقاً، وشرط هذه الإجابات أن تكون عملية لا رجوع عنها، فالأمر الذي تحققه اليوم وتفتقده غداً، أو لا تجد الوسيلة للحفاظ عليه، يصعب أن يرفد الحضارة أو نعتبره منجزاً حضارياً، بمعنى آخر، إن توطين العلوم، بحيث تكون فاعلة في حياة البشر، وتنطلق من إنجاز في تحسين حياتهم إلى آخر أفضل، لا تتراجع ولا تكسل أو تتخلى عن مهمة تقديم الأفضل للإنسان، هو الذي يعد الإنجاز الحضاري الأفضل.
لكن هذا الإنجاز لن يكون الأفضل ما لم يكن الأكثر إنسانية وأخلاقية، مع الإقرار بتطور النظرات الأخلاقية، لكن يبقى هم الأخلاق الأساسي هو تجنيب الإنسان ما ينغص حياته أو يهدد وجوده والإجابات على الأسئلة التي طرحتها البشرية عبر تطورها حول الأخلاق باعتبارها الحاجة والمناخ الذي يرعى إنسانية الإنسان ويصونها، يجب ألا تغيب أو تصل إلى نهاية.
في مجال الأخلاق مثلما في مجال العلوم، لا يجوز العودة عن إنجاز تحقق، فكل إنجاز يمكن تطويره عبر التقدم به إلى الأمام، لكن لا تجوز العودة عنه وهو يثبت نفعية وفائدة، إلا لصالح ما هو أكثر منه نفعية وفائدة، هكذا يكون أكثر حضارية بأن يكون أكثر ديمومة، والديمومة من أهم مقاييس التحضر، مترافقة بالفائدة المتحصلة. في أوروبا كانت الديمومة الحضارية عنواناً على المنجزات التي حققتها هذه البلاد بجهود أبنائها المبذولة على وجه الأرض في المزارع والورش والمصانع وغيرها، وفي باطن الأرض، في المناجم، وفي البحار على ظهور السفن، وفي الفضاء على متن المركبات الطائرة، وفي كل حراك كانت البلاد المتقدمة او التي حققت هذه الإنجازات، أن تسير من جيد إلى أجود، وتعتبر مدرسة يتعلم العالم منها. لقد كانت جهودها هي التي دفعت غرامشي المفكر الإيطالي للحديث عن «سماد التاريخ». لقد سمدت أوروبا تاريخها بجهودها، فأخصب.
إن هذه الحضارة الأوربية التي ورثت الحضارات السابقة، من يونانية ورومانية، وحتى الإسلامية وإنجازاتها الحضارية، لم تتوقف عن طرح الأسئلة حول الحياة ومشكلاتها، وإيجاد الحلول لهذه المشكلات، ما أوصل الحضارة الإنسانية بصيغتها الغربية إلى هذا المستوى الرفيع الذي تحلم الشعوب بمثله.
وهذا مثلما يحدث الطمأنينة، يثير الأسئلة، خاصة لدى تلك الشعوب التي لا تزال تشعر بالنرجسية نتيجة إنجازاتها في ماضيها، ولا تزال ترى أن لديها الكاريزما العقدية لتنمية هذه النرجسية، حتى وهي ترى أنها تخلت عن ميكانيزمات التقدم لتصبح ملك غيرها من الأمم والشعوب. إن الشعور بالنرجسية لدى العرب والمسلمين والذي يعمّده ويؤسس له العقيدة الإسلامية وتراثها، يجب أن يدفعنا كي ننخرط في طرح الأسئلة حول مهماتنا ووجودنا في العصر الحديث.
الأسئلة عن التفريط في الماضي، وعن الدور في الحاضر، وعن التوجه إلى المستقبل؟
هل ساءلنا أنفسنا عن ذلك؟ هل نحن راضون عما أنجزناه؟ وهل نتوجه لإنجاز أفضل؟
يدفعنا إلى هذه الأسئلة فكرياً وثقافياً، ما حققته وتحققه الشعوب على امتداد الكرة الأرضية. وما حققناه نحن على ضآلة حجمه مقابل ما حققه الآخرون في العصور الحديثة، وما نطمح إليه وما الذي أعددناه؟ هل ما حققه الآخرون على مستوى الوعي والواقع يدفعنا إلى المنافسة والانطلاق؟ وهل ما حققناه حتى الآن هو في موقع الديمومة، فلا تراجع عنه؟ بمعنى آخر هل الاستشفاء الصحي، والتعليم في كل مراحله، والبنية التحتية من كهرباء ومواصلات وغيرها، وهل المؤسسات التي تمكنا من بنائها حتى الآن، هي أمور دائمة وقابلة للتطوير، وتجد من يقوم على تطويرها، أم يمكن أن نفتقدها وتضيع منا كلياً أو جزئياً؟
هل يحق لنا أن نحلم حلماً مدعوماً بالعمل، بأن نتقدم مما نحن فيه إلى عالم الديمقراطية، أم أننا يمكن أن نتراجع إلى منطق القرون الوسطى؟ هل يمكن أن نحقق غاية وجودنا والتعبير الواضح عنه؟ هل سننعم بالخير والجمال؟ هل سنشارك اكتشاف حقائق الكون والاطلاع عليها، وإنتاج المعرفة عنها؟
هكذا يبرز السؤال المعبر عن القلق كمهمة أولى وضرورية، تنبع من قلق الوجود وحميميته، وهكذا يعبر السؤال عن هذا القلق، لأن السؤال يكون عما نفتقده لا عما نجده. والسؤال يجب ألا يكون من أجل السؤال فيتحول إلى العبثية، يجب أن يكون من أجل البحث عن الإجابات العملية للظروف التي تولده، عندها يؤدي دوره في خدمة الإنسان والحضارة، عندما ينخرط الناس بالإجابة عليه.
الإجابات يجب ألا تكون «نعم» فقط. لتكون صادقة ومفيدة يجب أن تكون انخراطاً وخططاً عملية في إنجاز المطلوب لتكون «نعم» حقيقية لا رجعة عنها. لكن دعونا أولاً نحسن السؤال مفتاح التقدم، فما لم نحسنه ونحسن الإجابة عليه، فلا مخرج لنا.