تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فن الدراما

الملحق الثقافي
18-6-2013م
غازي رفاعي: تعتبر الدراما السورية في العالم الإسلامي والعالم العربي بشكل عام، دراما لا مثيل لها، وإن كانت الدراما المصرية تسير إلى جانبها من الميمنة إلا قليلاً، والخليجية من الميسرة التي ينطبق عليها القول “طبخة بدون ملح».

والدافع الذي جعلني أكتب هذه المقالة هو أولاً حرية الرأي من خلال دستورنا الجديد، وثانياً حرصي على صناعتنا الدرامية ونجاحها الباهر، حيث أن هناك بعض من يعمل في حقل الدراما من ممثلين وفنيين، ليس لديهم إي دراية عن «الدراما» وما معنى «فن الدراما» لذلك أقول «واجعل صوتك عالياً ولا تخف من النتائج» ومن علمني حرفاً كنت له عبداً.‏

‏‏

في طبيعة كل إنسان، شيء ما يدفعه إلى محاكاة الآخرين في طفولته، ثم يكبر هذا الشيء مع كبر سنه، فيتحول إلى شوق دائم لرواية الأحداث أو الاستماع إلى رواتها.‏

لقد أطلق البعض على هذا الشعور لدى كل إنسان الرغبة «الدرامية» واعتبرها البعض نقطة ضعف بشرية، والحقيقة فإن فن الدراما موجود في دماء كل منا، نحب أن نصنعه أو أن نتفاعل معه، ولا يمكن لأي واحد منا أن ينسى أمتع لحظات طفولته، وهو يستمع إلى حكايات جدته، وينشد إليها شداً، ثم ينام ليعيشها في أحلام منامه كما عاشها في أحلام يقظته.‏

والدراما تعريفاً هي «فن الأفعال الإنسانية» وكلمة دراما تعني «الحركة المتجددة». ولا بد لأي فعل إنساني كي يسمى دراما من أن يكون فعلاً تاماً يحتوي على صراع بين قوتين، كصراع الإنسان مع نفسه، أو صراع الإنسان الخيّر مع الإنسان الشرير، أو صراع الإنسان مع بيئته، أو صراع الإنسان مع القدر، أو صراع الدولة مع الإرهاب لحماية شعبها، فكل ذلك فعل إنساني يتم فيه صراع ذي عبورات، ينتهي بنتائج منطقية ومقبولة، وباعتبار أن الدراما فعل إنساني فهي إذن تعتمد على المحاكاة، وهي إذن تقتبس مادتها من الحياة.‏‏

يجب أن ننتبه هنا إلى كلمة «تقتبس» لأن الدراما لا تنقل الواقع نقلاً مباشراً ومطابقاً، بل إنها تظهر الواقع بالأسلوب الفني المطلوب وبالطرق التي تجعل العمل الدرامي عملاً فنياً متكاملاً.‏‏

ولأن الإنسان هو المحور الرئيسي للعمل الدرامي، فإن فن الدراما يبقى بقاء الإنسان ليقدم التجربة البشرية الدائمة التي تبرز مشاكل الإنسان، وتساهم في التعايش مع عواطفه وأحاسيسه.‏‏

بدأت ملامح الدراما بالظهور في الطقوس التي يقوم بها الناس، يعبرون فيها عن معتقدات دينية، أو أحداث حياتية هامة، كالحصاد عند المزارعين مثلاً، ولأن غريزة المحاكاة فطرية في الإنسان، والمحاكاة أصل التمثيل.‏‏

فالدراما نشأت منذ القديم، وتطورت نابعة عن الطقوس، ثم منسلخة عنها تدريجياً، ولقد ثبت أن التمثيل كان معروفاً لدي الإغريق، وهم أول من بنوا مسرحاً ولدى الفراعنة أيضاً، واتخذت الطقوس شكل العرض في الحضارات القديمة من، مصرية، وأشورية، وبابلية.‏‏

وبتطور الدراما، أصبحت فناً ذا أصول وقواعد، ولها ألوانها، فالدراما قد تكون «تراجيديا» أو ما نسميه «المأساة»، مواضيعها اجتماعية، عاطفية، وتدور غالباً حول صراع الإنسان مع قوى خارجة عن إرادته كالآلهه مثلاً، أو المجتمع، فتتناول فاجعة أو تنتهي بفاجعة.‏‏

‏‏

وقد تكون الدراما «كوميديا» أو ما نسميه «الملهاة» وهي تحتوي أيضاً على صراع يكون غالباً على مستوى ذهني بسيط، دون عمق. وغني عن البيان أن «ألمأساة» و»الملهاة» يجب أن يكون لهما مواصفات العمل الدرامي المتكامل، كي تصبح تسميتهما «بالمأساة» أو «الملهاة»، وإلى «ألمأساة» تعود الدراما الافتعالية، التي نسميها بالميلودراما، وهو العمل الذي يلهث وراء تجميع مواقف تستجدي الدموع وتثير الانفعالات الإنسانية بكثير أو قليل من المبالغة.‏‏

ويقابل «الميلودراما» في الملهاة «الفارس» أو ما نسميه «بالمهزلة» وهو العمل الذي يخلق مواقف تثير الضحك دون الاهتمام بالدوافع الإنسانية، أي أنها تستجدي الضحك كما تستجدي «الميلودراما» البكاء، ولا مانع في أن يكون استجداء الضحك عن طريق التهريج، وغالباً ما يعتمد «الفارس» أو «المهزلة» على شخصيات العمل الدرامي.‏‏

والمعروف عن الدراما بصورة عامة، أنها تبدأ بتقديم شخصياتها، ثم تنتقل إلى الأزمة التي تعرضها لتحمل بها حد القمة، حيث يحتدم الصراع بين الشخصيات، ثم يبدأ فك العقدة وإنهاء الصراع عن طريق إيجاد الحل الملائم، وأيضاً تأتي نهاية العمل الدرامي. ويمكن القول، إن العمل الدرامي يمثل بالهرم، تبدأ الشخصيات بالصعود مع أحداث العمل وتصل قمة الهرم ثم تنتهي لتبدأ بالهبوط من الطرف الآخر حتى تصل الأرض ثانية بسلام.‏‏

ولكل عمل درامي، زمان ومكان محددان، ومضمون، والزمان قد يقتصر لكنه يبقى محدداً، والمكان قد يختلف، لكنه يبقى معيناً، أما المضمون فهو الأحداث والشخصيات لتلك الأحداث. ويرتبط تقييم أي عمل درامي بالمضمون، فالفكرة التي يطرحها العمل وكيفية معالجته لها، ومدى وصولها إلى الجمهور المتلقي، كل ذلك يحدد نجاح العمل أو فشله. وبقدر ما تكون الفكرة المطروحة واضحة والعرض الدرامي ناجحاً في خدمة تلك الفكرة، بقدر ما يكون العمل ناجحاً.‏‏

وقد سبق وذكرنا، أن الإنسان بطبعه يستمتع برواية الحكاية التي يسمعها، وبقدر ما تكون الحبكة الدرامية مشوقة، بقدر ما ينجذب المستمع والمشاهد إلى العمل الفني، ويصبح عنصراً فاعلاً فيه عن طريق تخيلاته، وما يمثله أبطال الحدث، بل وأحياناً محاولته تقليدهم.‏‏

ونستطيع إدراك مدى أهمية فن الدراما، عندما نجد أن كثير من الجوانب الإعلامية والإخبارية، باتت تقدم بطريقة أقرب إلى الدرامية، ذلك بقصد شد الجمهور المشاهد والمستمع، وكثيراً ما نحتال في الإذاعة على موضوع جاف، يصعب تقديمه، نخلق فيه شيئاً من الدرامية، مهما كانت بسيطة، معتمدين على متعة الإنسان بالحكاية، ونجذبه به إلى عمل فيه شيء من القصصية أو الرواية.‏‏

بقي أن نقول، إن مجال فن الدراما يتوزع بين المسرح، والسينما، والتلفزيون، والإذاعة، وهو بشكل رئيسي يعتمد على الكلمة التي تمثل الحدث وتعبر عن الشخصيات، لكن هناك عوامل أخرى إلى جانب الكلمة تزيد اهتمامنا أو تقل، حسب العمل الذي يعرض فيه الدراما.‏‏

فالمسرح يعنى بالكلمة إلى نسبة 75% تقريباً من العرض المسرحي، بينما يقوم الديكور والإضاءة والملابس والمؤثرات الصوتية والموسيقى بالـ 25% المتبقية، إنما السينما فاعتبارها ذات تقنية متقدمة، فإن الحوار لا يلعب الدور الرئيسي بقدر ما تلعبه الصورة، والصورة طبعاً تعبر عن الموقف في السينما، ولو لم يكن هناك حوار، لأن الكاميرا تستطيع أن تقدم كل شيء وأن تحدد الزمان والمكان، طبعاً تقوم المؤثرات الصوتية بمهمتها هناك، كي تنوب عن الكلمة، إذ يقال إنه بقدر ما يقل الحوار في السينما بقدر ما يكون العمل مقبولاً من المشاهد وناجحاً.‏‏

والدراما في التلفزيون لا تحتاج إلى أكثر من حوالي 50% حواراً على أن تعوض الصورة البقية وهي 50%، أما في الإذاعة فالدراما هي الدراما المسموعة، أي أن اعتمادنا فقط على المسموع بحيث أن الحوار يجب أن يأخذ كل العمل الدرامي، فتصل نسبته إلى 100% وطبعاً للمؤثرات الصوتية والموسيقى دورها الأساسي أيضاً إلى جانب الحوار.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية