وما سيترتب عليها من أزمة سياسية عاصفة في إسرائيل بسبب تقارب عدد مقاعد الكنيست بين كل من الحزبين المتقدمين في لوائح الانتخابات، وهما كاديما والليكود، وبالتالي بسبب الانقسام الكبير الحاصل ما بين تيارين يطلق على الأول تجاوزاً (الوسط واليسار) والثاني (اليمين واليمين المتطرف)، لذلك ستجد تسيبي ليفني رئيسة كاديما التي ستكون المرشحة الأولى لرئاسة الحكومة لحصول كاديما على 28 مقعداً وبفارق مقعد واحد عن الليكود، صعوبة كبيرة في تشكيل ائتلافها الحاكم، وقد تفشل إذا رفض الليكود بزعامة نتنياهو المشاركة في حكومة برئاستها، ولما كانت ليفني لا تريد الائتلاف مع حزب (إسرائيل بيتنا) برئاسة أفيغدرو ليبرمان، فإنها لن تتمكن من تأليف حكومة حتى ولو اعتمدت على مقاعد كل (العمل) برئاسة إيهود باراك وميرتس وأحزاب إسرائيلية أخرى.
ومن هنا ستنتقل مسؤولية تشكيل حكومة إلى الحزب الثاني الليكود ورئيسه بنيامين نتنياهو الذي سيجد صعوبة أيضاً في تشكيل حكومة إذا تمسكت ليفني بعدم مشاركة كاديما في هذه الحكومة، وإن استطاع نتنياهو الخروج من هذا المأزق بتشكيل حكومة إسرائيلية من لون واحد (اليمين واليمين المتطرف) فأنه في ذلك لن يضمن استمرار حكومة مستقرة لأنها ستكون عرضة لهزات كثيرة ربما تذهب بها.
وليس من حل وسط للأزمة السياسية الداخلية المعقدة في إسرائيل إلا حكومة برأسين وبالتناوب، كما كان الحال في أوائل الثمانينات بين بيريس وشامير، لكن ما يعنينا هو الصوت العربي في خضم هذه الأزمة؟...وبصيغة أخرى: ماذا كان شعار أو برنامج التيار القومي العربي في الداخل الفلسطيني رداً على الحملات العنصرية الصهيونية في أراضي عام 1948.
بداية يقول المعلق السياسي في (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية ناحوم بريناع: إن (الاسرائيليين المغمورين بالخوف يرون في ليبرمان «الفزاعة» التي يريدون وضعها في وسط الملعب السياسي، على أمل أن العرب هم «العصافير» يرونها فيفزعون).
جاء ذلك في معرض الحديث عن استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي رجحت فوز حزب (إسرائيل بيتنا) بزعامة ليبرمان بمقاعد إضافية عن مقاعده في الكنيست السابقة، وبالفعل حقق هذا الحزب فوزاً بـ15 مقعداً في النتائج الانتخابية بعد أن كان له 10 مقاعد فقط، بحيث أصبح هذا الحزب بعد أن كان ترتيبه الخامس في الأحزاب الإسرائيلية الحزب الثالث بعد الليكود، وكاديما، وليزيح بذلك حزب العمل إلى مرتبة متأخرة بعد (إسرائيل بيتنا) ولا شك في أن هذا الصعود الخطر لليبرمان يعود إلى أن المجتمع الإسرائيلي بالأساس يتجه إلى مزيد من الإرهاب والتطرف ومعاداة العرب، وهو ما تكشفه مواقف ليبرمان نفسه الذي لا يتورع عن وصف العرب بالفئران والصراصير، ويطالب بتنفيذ خطط الترحيل (الترانسفير) لهؤلاء العرب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 إلى أي مكان ما عدا مكان إقامتهم في أراضيهم، وإذا لم يكن ذلك فعلى الأقل العمل على إقصائهم وإلغائهم من الحياة السياسية، والتضييق عليهم في حقوقهم المدنية، ويرفع ليبرمان شعار (لا مواطنة بلا ولاء)، أي أن لا حقوق لهؤلاء الفلسطينيين إذا لم يقدموا بالعهد والقسم والملاحظة والتحقيق ولاءهم لإسرائيل كدولة عبرية يهودية!!.. وهو ما يكشف عن عنصرية حاقدة تجاه العرب.
لكن إلى أي مدى سيجد ليبرمان -ولو كان شريكاً في حكومة يؤلفها الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو- مجالاً لتطبيق هذه المواقف والتي على أساسها خاض الانتخابات ورشحته الاستطلاعات لمثل هكذا فوز إلى مقاعد الكنيست؟..
في الرد على عنصرية ليبرمان، رفع التجمع الوطني الديمقراطي، وهو من الأحزاب العربية والذي كان يترأسه الدكتور عزمي بشارة، واليوم هو برئاسة النائب العربي في الكنيست الدكتور جمال زحالقة، شعاراً هو (هويتي)، حيث حمل رسالة واضحة تؤكد الهوية العربية الفلسطينية لأهلنا في أراضي عام 1948، والتمسك بالحقوق الكاملة كأصحاب أرض بدون شروط، وإذا كان ليبرمان، كما تشير أوساط اليمين الإسرائيلي، قد استحوذ على إعجاب الإرهابيين والعنصريين الإسرائيليين، وأن ما اعتمده في برنامجه الانتخابي (لا مواطنة بلا ولاء) هو ما يفكر به معظم أركان الأحزاب الإسرائيلية الكبرى دون أن يجرؤ أحدهم على الجهر به، إلا أن الرد العربي الفلسطيني بالتمسك بالهوية القومية كان الأقوى في ساحة صراع الذئاب الإسرائيليين وهم يتسابقون على مقاعد الكنيست مستغلين ذلك الدم الفلسطيني كورقة انتخابية (حاسمة) في صناديق الاقتراع.
لقد خبر العرب في السابق، في تجربتهم النضالية، وفي التزامهم وانتمائهم للهوية العربية، وعلى مدى عقود من الزمن شخصيات مماثلة في عنصريتها لليبرمان، إنما تفوقها خطورة من مائير إلى دايان إلى بيغن إلى شامير إلى شارون إلى رحبعام زئيفي وغيرهم، ولم تثنهم سياسات وبرامج وخطط كل هؤلاء الإرهابيين عن الصمود والمقاومة.
ورحل كل الإرهابيين والعنصريين، وبقيت الحقوق الفلسطينية ثابتة وراسخة ومتجذرة في الأرض والتاريخ والسياسة والإرادة، عصية على الاختراق أو التطويع، وعصية أيضاً على العنصرية الإسرائيلية الحاقدة، وهو ما ستكشفه مرحلة ما بعد الانتخابات في إسرائيل.