فقد عرفت المنشورات الأمريكية ما سمي «الأربعاء الأسود» في الثالث من كانون الأول 2008 حيث أطلقت دار راندوم هاوس التي تعتبر الأولى في الولايات المتحدة خطة كبيرة لتغيير بنيتها الإدارية ، بينما أعلنت سيمون تشيستر الفرع المستقل من مجموعات الاتصال (cbs) وتوماس نيلسون توقيف العمل بالعشرات، فبعد أزمة العقارات والمال والسيارات وصلت الأزمة الاقتصادية إلى الكتاب بشكل مباشربنغوان ومامكيان قرر تجميد المساعدات والرواتب للدور المتعاملة معها ومنها هوغتون ميفلين هاركور التي من بين كتابها فيليب روث كما أوقفت أي امتلاك لحقوق جديدة.
وإضافة إلى الاجراءات التي اتبعت بتخفيض المبيعات (20? في تشرين الأول 2008) أكثر من 3? أيضاً أضيفت في الأشهر الأخيرة، كما زاد التقييد على القروض، لكن يبدو أن الصعوبات التي يعانيها الناشرون ودور النشر في أمريكا لا تعزى إلى الأزمة الحالية فقط بل تعود في جزء كبير منها إلى الماضي حيث كانت بدايتها منذ العام 1960 وسبب ذلك السياسات التي اتبعتها دور النشر الكبيرة.
لنتذكر عشرة الملايين دولار التي قدمها كنوف إلى بيل كلينتون عندما كتب الأخير مذكراته (حياتي)، لكن ليس من النادر أن نرى مشاهير لا يقبضون مليون دولار على أعمال عظيمة ، فهل ينتظر أن يكون المردود كبيراً من هكذا استثمارات أو أن يكون هناك مؤلفون قادرون على عطاءات جديدة كل عام تحقق أعلى المبيعات؟
بعد خمس سنوات من عائدات الأرباح التي ضربت رقماً قياسياً من نجاح شيفرة دافنشي، دار رانددم التي راهنت على تتمة لرواية دان براون انتظرت طويلاً ثم أصيبت بالخيبة في أزمة عام 2008.
إذا كان الأمريكيون يتألقون في صناعات ثقافية عديدة، فليست هي الحال بالنسبة للنشر، الأوروبيون هم من يسيطر في هذا المجال ، وأكبر دور النشر العالمية هي فرنسية وبريطانية وايرلندية وألمانية و إيطالية وإسبانية وتأتي في المقدمة دار تومسون وهي كندية (إنتاح وخدمات رقمية- نشرات مهنية).
حتى في الولايات المتحدة هذه الدور هي من يسن القوانين ، دار رانددم هوس تتبع دار برتيلسمان الألمانية منذ عام 1998 كما أنه بعد التصفية مع تايم وارنربوك في عام 2006 وصلت دار هاشيت الفرنسية إلى المراتب الأولى في السوق الأمريكية.
لا نندهش إذا علمنا أن كثيراً من الأدب العام الذي ينشر يدور في فلك الأرقام العليا للمبيعات وهذا ليس من مصلحة آلاف الكتاب الموهوبين.
دراسة تم نشرها عام 2004 تشير إلى أن أغلبية الأمريكيين لا يقرؤون كتاباً واحداً في العام، وخلال عشرين عاماً فقدت الولايات المتحدة عشرين مليون قارئ، وهذا ما يفسر الكثير.