على تجارب لفنانين شبان أثاروا في السنوات الأخيرة الكثير من التساؤلات في خطواتهم الرامية إلى اختراق الايحاءات التصويرية المباشرة، والوصول إلى أساليب فنية خاصة منفتحة على معطيات وثقافات الفنون القديمة والحديثة، الغربية والشرق أوسطية.
والمعرض يطرح أكثر من سؤال حول موقع فنون مابعد الحداثة في تجارب الجيل الجديد، إذ ثمة حركة إحيائية دادائية أوقعت العديد من العارضين في هواجس مشتركة تجميعية وتركيبية ورقمية «فيديو آرت» ومارافقها من انقلابات مفهومية على صعيد إعادة بناء الصورة الضوئية وتوظيفها في لوحات جدارية قريبة من أجواء الفنون الإعلانية الحديثة.
إلا أن المهم في الأمر، ليس طرح التساؤلات وإثارة الشكوك فحسب، وإنما أيضاً الخروج بخطوات قادرة على استشفاف واستشراف آفاق تعابير وجماليات التشكيلات الفراغية والتصويرية المعروضة في اتجاهاتها المتدرجة من أقصى درجات الدقة (واقعية فوتوغرافية) إلى أقصى حدود التخريب والعبث والانفعال والدادائية.
وهذا لايعني مطلقاً أن المعرض يخلو من التجارب الشابة، التي تستفيد من معطيات الحداثة العالمية، ضمن رؤى ابتكارية خاصة وجديدة، بهدف تحقيق شخصية فنية واضحة من أمثال سبهان آدم الذي استحوذت تجربته على ضجة كبيرة، ترافقت مع صدور عدة مجلات أنيقة وفاخرة بالانكليزية والفرنسية عن أعماله الفنية التي عرض بعضها في أكثر من عاصمة ومدينة عالمية.
وفن سبهان آدم كحياته زاخر بالمفاجآت والتساؤلات الحائرة، فهو دائم الجرأة، دائم الثورة، دائم التمرد، هدفه الانفلات في كل خطوة من خطوات إنجاز لوحته من كل أثر جمالي تقليدي أو مثالي أو صالوني.
ويحقق خالد تكريتي عناصر الاسترسال مع حركة امرأة بجانب أخرى، كما يركز في هذه المرحلة على إظهار المساحات الصافية الموجودة في خلفية اللوحة ، مبتعداً كل البعد عن الانفعال اللوني الذي ظهر في بعض معارضه السابقة.
ويوزع ثائر هلال أشكاله المختزلة في فضاءات شطرنجية لاتبقى في حدود الدقة الباردة والرزانة الهندسية، وتتحول العناصر النباتية والإنسانية والحيوانية والاشارات الريفية والصحراوية في تشكيلات حسكو حسكو إلى حالة جمالية حديثة فيها جانب من التشطيب والتركيب الطبقي للون وصولاً إلى استخدامات الخطوط القلمية العفوية التي تساهم في إخراج اللوحة من الخطابية والتقريرية المباشرة.
ويقترب ياسر صافي في مطبوعات محفوراته من تعبيرية فنون الأطفال، حين يجسد العناصر الإنسانية بإجراء تحريفات شديدة، فاتحاً أمدية تلقائية في المدى التشكيلي المتحرر والعفوي.
ولايبتعد فادي يازجي في عمله النحتي البرونزي الكبير عن أجواء لوحاته المرسومة. فهو في كلتا التجربتين يذهب إلى تحويرات إنسانية وتشكيلات أسطورية تحمل مقومات البحث التشكيلي بعيداً عن معطيات الواقع ومأثورات التقاليد.
وفي لوحات سيمون قبوش وأيضاً في عمل حسام بلان يحضر التصوير الواقعي، الذي يضاهي في حيويته واقعية الصورة الفوتوغرافية، وبذلك فأعمالهما تتعاكس مع تجارب أكثرية العارضين وتشكل عودة متينة إلى تقنيات التصوير الواقعي الأكثر قدرة على تجسيد التفاصيل الصغيرة والدقيقة.
والأول يركز على موضوع السيارة الذي قلما نجده في أعمال الفنانين، حيث يدقق في كل مايمكن أن يظهر للعين، حيث تحافظ الأشكال (المرأة والسيارة) على رصانتها وأهميتها كأساس في اللوحة. وتبدو أعمال عمران يونس ملتصقة في دلالاتها التعبيرية غير المباشرة بمعاناة الجرح اليومي، وهو يمتلك القدرة على الاختزال في عناصره التعبيرية والرمزية.
وماقدمه البعض يمكن تسميته بمحاولات إحياء الاتجاهات العبثية والدادائية التي عرفتها العواصم الأوروبية منذ الحرب العالمية الأولى علاوة على بروز أعمال ضخمة تبقى في حدود الإغراء البصري في تقنياتها المعروفة وعلى نطاق واسع عند أغلب ممتهني الفن الإعلاني - التجاري.
المعرض أقيم بمشغل قديم بباب شرقي في إطار احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008.