هذا ما يقوله على الأقل الخبراء الإسرائيليون وتعترف به مراكز الأبحاث الإستراتيجية على مستوى العالم أجمع.
من الواضح أن قواعد الحرب والسلام تغيرت في المنطقة ولم تعد إسرائيل القوة التي لا تقهر, وقد أثبتت حرب تموز على لبنان هذه الحقيقة بعد أن حمل تقرير فينوغراد مسؤولية إخفاق تلك الحرب للمؤسسة العسكرية بالدرجة, مؤكداً أن هذه الحرب شكلت إخفاقاً كبيراً وخطراً وفشلاً في اتخاذ القرارات على المستويين السياسي والعسكري.
وما ارتفاع الأصوات العديدة في تل أبيب التي تطالب بالبحث عن تسوية شاملة قبل أن تواجه إسرائيل انهيارات جديدة في أي حرب مقبلة إلا أكبر دليل على هذه الحقيقة.
فالإسرائيليون بعد عدوان تموز وصمود المقاومة الرائع لم يعودوا طليقي القدرة كما كانوا يعتقدون وهذا الاعتقاد المتعالي والمتعجرف لم يبدأ اليوم بل هو متأصل تمتد جذوره عميقاً في جينات الحركة الصهيونية.
وفي هذا الإطار تقول صحيفة (معاريف) الإسرائيلية: (كنا واثقين تماماً أن بوسعنا الاحتفاظ بسيناء ومقدرات النفط فيها إلى الأبد دون أن يتمكن المصريون من عمل أي شيء في هذا الشأن وكنا نعول ونثق بأن بوسعنا أن نحتفظ بالشعب الفلسطيني تحت الاحتلال والاستغلال إلى أبد الآبدين دون أن يثوروا وعندما ثاروا كنا على قناعة أن بوسعنا أن نقمع تمردهم من خلال تحطيم عظامهم.
وفي حرب لبنان الأولى كنا واثقين من أن بوسعنا أن نفرض على لبنان النظام المرغوب فيه من جانبنا, وفي حرب لبنان الثانية مرة أخرى كنا واثقين بأننا إذا استخدمنا ما يكفي من القوة, فسنخضع لبنان وحزب الله كي يعملا كما نشاء.
والآن مرة أخرى كنا واثقين من أن بوسعنا نحبس وأن نجوّع مليوناً ونصف المليون إنسان إلى أن يستسلموا مرة أخرى مثلما هو الأمر دوماً لإرادتنا).
وانطلاقاً مما تقدم نجد أن فرص الاستسلام على الفلسطينيين وإذلال العرب, كان ولا يزال إستراتيجية صهيونية تغذيها العنصرية المشحونة بالحقد والانتقام وإلغاء الآخر خصوصاً إذا كان هذا الآخر عربياً أو مسلماً وركيزة هذه الاستراتيجية هو ما تسميه إسرائيل الردع عبر الانتقام الجماعي وممارسة الإبادة واعتماد سياسة الأرض المحروقة لترويع وشل الطرف المقابل, غير أن استراتيجية الردع التي تتفاخر إسرائيل بها اختلت في عدوان تموز على لبنان في عام 2006 واهتزت بها كذلك أمام صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة رغم المحرقة وبحر الدماء والمجازر التي ترتكبها يومياً الدبابات والطائرات والصواريخ الإسرائيلية بحق الأطفال والنساء والشيوخ والرجال.
لقد نجح غلاة اليمين المتطرف جزئياً في جعل الأمن هو المحور السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الكيان الصهيوني, لكن الأمور معقدة هذه الأيام ولم تعد كما في السابق فالسلاح الأكثر تطوراً في العالم بات عاجزاً عن ضمان الأمن للإسرائيليين فكثرت الأسئلة في الصحافة ووسائل الإعلام والمنتديات والندوات وافتتاحيات الصحف وداخل الأحزاب عن جدوى خيارات قادة العدو التي تراوح مكانها وترتد سلباً على وجود الدولة اليهودية بالذات.
فالكيان الصهيوني الذي وعد الفلسطينيين ب (محرقة كبرى) وهدد بالثأر لهزيمته في عدوان تموز على يد المقاومة اللبنانية أصيب بفشل ذريع في قطاع غزة ولم يتمكن من إيقاف صواريخ القسام التي تطلق رداً على المجازر الصهيونية بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.
فقد أظهرت تعليقات الصحف الإسرائيلية بعد انسحاب قوات الاحتلال من جباليا في شمال القطاع أن حصيلة ما جرى ليست لمصلحة إسرائيل لذا بات المطلوب اليوم من حكومة أولمرت إما الاستمرار في العمل العسكري مع صعوبة وقف إطلاق صواريخ القسام, وإما العودة إلى الوسائل السياسية وفي طليعتها القبول بالتفاوض مع (حماس), وهكذا وفي أول اختبار جدي لها بعد صدور تقرير فينوغراد الذي كشف هشاشة قوة الردع الإسرائيلي وسقوط نظرية التفوق الإسرائيلي المطلق, فشلت حكومة ايهود أولمرت مرة أخرى في قطاع غزة, ولم تتعلم شيئاً من دروس حرب لبنان الثانية, ولم تحقق أياً من أهدافها وبشكل خاص كسر إرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني المناضل, وهو ما عكسته صحيفة هآرتس الإسرائيلية عندما قالت : (إن أحداً في إسرائيل لم يعرف إذا ما كان هدف الشتاء الساخن منع سقوط صواريخ القسام على عسقلان أو سد يروت أوفقط معاقبة من أطلقها,و إذا ما كانت العملية موجهة لتهدئة غضب الإسرائيليين أو لفرض واقع عسكري جديد على الأرض).
لقد أرادت إسرائيل من خلال إلقاء حمم الحقد الصهيوني على غزة أن تطوي صفحة المقاومة في فلسطين إلى الأبد كي تمضي في مشاريع الاستيطان والتهجير والتهويد الكامل لما تبقى من الأراضي الفلسطينية المحتلة في ظل عجز عربي واضح لكنها بعد أسبوع من القصف والدمار والقتل لم تحصد سوى الخيبة والمزيد من المجازر من أن تحقق أي نتيجة سياسية.