إذ لا يكاد يمر يوم إلا ويسقط فيه قتلى من المدنيين ضحايا مطاردة جماعات الطالبان الأفغانية أو الباكستانية في المناطق القبلية, والعلاقات مع الولايات المتحدة ليست في أحسن حالاتها, والأزمة على المستوى الداخلي تزداد تفاقماً, وعلى الرئيس الجديد المنتخب آصف علي زارداري أن يبحر بين الصخور المرجانية في وقت استؤنفت فيه المباحثات مع الجارة الهند حول مستقبل كشمير.
ولفهم المخاطر الراهنة لابد أن نتذكر أن باكستان ومنذ استقلالها والحرب الأولى في كشمير ما بين 1947-1948 كانت تسعى دائماً لتفادي الوقوع بين فكي الكماشة الهند وأفغانستان وذلك بتصدير الأزمة إلى خارج حدودها عبر تقديم الدعم للمجاهدين الأفغان لمحاربة السوفييت في الثمانينيات من القرن الماضي وذلك )بدعم وتمويل من الأميركيين( ومن ثم جماعات الطالبان بدءاً من عام 1994 وكذلك المتمردين الكشميريين والجهاديين الباكستانيين لمواجهة الوجود الهندي في كشمير في التسعينيات من القرن الماضي.
وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 أدرك الجنرال برويزمشرف أن عليه الانضواء تحت راية حملة) محاربة الإرهاب( التي أعلنها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في كشمير تحت السيطرة على الجهاديين لكن دون القضاء عليهم بصورة نهائية وفي باكستان نفسها طال القمع جماعات )القاعدة( لكن دون الوصول إلى ابن لادن, وكان من شأنه هذه التدابير الناقصة منذ عام 2003 لانقلاب جزء من الشبكات الإسلامية المحاربة ضد السلطة القائمة وتفاقم الوضع مع الدخول غير المسبوق للجيش إلى المناطق القبلية وفتح حوار مع الهند, لكن لا العمليات العسكرية ولا المفاوضات الرامية لشق صفوف المتمردين الباكستانيين وطالبان الأفغانية وشبكات )القاعدة( لم تكلل بالنجاح, وعندما وصل زارداري إلى السلطة أصبح الوضع خارجاً عن السيطرة, فعلى الجانب الأفغاني استعادت طالبان مواقعها على الرغم من وجود حلف شمال الأطلسي وعلى الجانب الباكستاني قويت شوكة المتمردين وازداد نفوذهم, وبما أن القيادات الأميركية كانت مستاءة من عدم جدوى الجيش الباكستاني رأت أن من الضرورة بمكان القيام بعمليات تدخل عاجلة, وإن بدا أن تحولاً طرأ على استراتيجية الباكستان منذ أشهر,الذي حقق نجاحات في وادي )سوات( وتمت السيطرة على مدينة باجور التي تؤوي أكثر من مئتين وخمسين ألف لاجئٍ فروا من المعارك, أضف إلى ذلك أن زعماء القبائل الموالية للسلطة بدأت بتجنيد ميلشيات مناهضة للطالبان.
لكن السؤال الذي ظل يراود الجميع, هل ثمة اتفاق سري بين الأميرال مايكل مولن قائد القوات الأميركية في أفغانستان والجنرال أشفق برفيز كياني قائد الجيش الباكستاني?
في مطلق الأحوال احتج الجنرال كياني على الانتهاك الأميركي للسيادة الوطنية الباكستانية واعترض على المناوشات الحدودية التي جرت بين الجيش الباكستاني والقوات الأميركية وفي 25 أيلول الماضي علّق الرئيس آصف زارداري أمام اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة بالقول: )انتهاك سيادتنا الوطنية لا يساعد على استئصال شأفة الإرهاب, بل على العكس يمكن أن تفاقمه وتزيد من حدته( والواضح أن السلطات الباكستانية تريد أن تظهر أمام الرأي العام بمظهر أن محاربة الإرهاب الذي تقوده باكستان يخص باكستان وحدها ولا علاقة له من قريب أو بعيد بالحرب الأميركية على الإرهاب .
أما فيما يخص العلاقات مع الهند فقد أعرب زارداري عن عزمه مواصلة المباحثات مع نيودلهي وهي تغيير في الصيغ التي ستشهد تطبيعاً مع الهند وأفغانستان والتي ترجح على الصيغة الاستراتيجية القديمة الأثيرة على قلوب العسكر, وذلك بالنظر إلى أن الخبرة الطويلة باختلال التوازن الاقليمي قد حفظت للجيش مكاسبه كما ضمنت له مكانته داخل أجهزة الدولة.
أما التحدي الآخر للرئيس آصف زارداري فهو: المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد عموماً والمناطق القبلية بوجه خاص. من جهتها وعدت الولايات المتحدة بتقديم دعم مالي مستمر, لكن ذلك اهتز بفعل ارتفاع أسعار النفط الخام وتراجع حجم الاستثمارات الأجنبية, وحاولت باكستان مواجهة أزمة السيولة الناجمة عن السقوط القوي لقيمة عملتها الوطنية والضعف الهائل في احتياطياتها من النقد الأجنبي ) حوالي 5 مليارات من الدولارات( وعلى الرغم من ظروف الأزمة العالمية الراهنة حاولت اسلام آباد الحصول على مساعدات مالية من دول الجوار )ايران, الصين( ومن المنظمات الدولية.
ولأن زارداري ورث اقتصاداً قد أطلق له العنان إلى أبعد حد في عهد نظام مشرف, فقد أعلن أمام البرلمان عن برامج اجتماعية طاقية واجتماعية لكنه ظل حذراً حيال عمليات التمويل , فالنمو الذي بلغ 7% في عام 2007 لابد أن ينخفض إليىالنصف هذا العام وعلى الجبهة الاقتصادية أيضاً تبدو الخيارات ضيقة أمام الرئيس الباكستاني الجديد.عن)لوموند ديبلوماتيك (
تشرين الثاني عدد 656