تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أصحيح أن الزبدة في (العتاقي)..?

آراء
الأثنين 17/11/2008
نواف أبو الهيجاء

حين جئنا إلى الشام قبل أربعة وأربعين عاماً كان قد سبقنا إلى الكتابة والنشر مجموعة من الأدباء - قاصين وروائيين وشعراء.. هم, في واقع الأمر اكبر منا سناً- مابين خمسة إلى ثمانية أعوام.

من بين أولئك كان: ياسين رفاعية, وإلياس الفاضل, ومعهما أو قبلهما كان المرحومون: (أبو حسين- مصطفى البدوي) و(محمد الماغوط- ومحمد الحريري), وأعداد ممن كان مقهى (الهافانا) مقرهم, أمد الله بأعمارهم مثل: نصر الدين البحرة, وعادل أبو شنب وعلي الجندي وسواهم.‏

كل روائي- كما يقال- له رواية, وكل شاعر له (قصيدة) وكل مسرحي له (مسرحية) وكل رسام له (لوحة) وكل موسيقار له (مقطوعة- أو سمفونية).‏

معنى ذلك أن لكل مبدع ميزة إبداعية - هي الجوهرة التي بها يمتاز ويكنى أو يسمى العباقرة وحدهم من لايكتفون بأن يكونوا (أصحاب) ,واحدة (شكسبير مثلاً تسمى المسرحيات السبعة والثلاثون باسمه- وليست مسرحية (هملت) وحدها ولامسرحية (الملك لير) وحدها. الخ من مجموعة ابداعاته). والأسماء المعروفة عالمياً كلها تقريباً تعرف بواحدة من إبداعاتها التي تطغى على ماعداها. (عناقيد غضب) شتاينبك, (الشيخ والبحر) همنغواي.. و(الحرب والسلام) تولستوي- و(الجريمة والعقاب) دستويفسكي..إلى آخره.‏

ماأردت أن أقوله هو المجسد بالسؤال الآتي: هل أبدع القدامى منا.. من رحل ومن ينتظر? ففي امثالنا العربية يقال (الدهن -أو الزبدة في العتاقي), فأين زبدة إبداعات جيلنا والجيل الذي سبقنا إلى الابداع والنشر? سأستثني بطبيعة الحال الروائي الكبير (حنا مينا) أعطاه الله العمر والعافية.ولابد أن أتوقف عند مانقل عن وليد اخلاصي قبيل أيام من أن (كل) مانشره وأبدعه حتى الآن (مجرد تمارين- أو محاولات, وتدريبات) للوصول إلى العمل (الكبير)- أعني- وهذا صحيح تماماً أن إخلاصي يريد أن ينتج عملاً ينتسب إليه ويسمى باسمه ويعرف من خلاله.‏

فرغت تواً من قراءة عملين لزميلين- مبدعين- من الذين سبقونا إلى النشر والكتابة ربما بسبب فارق السن. انهيت تواً قراءة آخر رواية لياسين رفاعية هي (أهداب) ومجموعة (بقايا اللوح المكسور) للشاعر الياس الفاضل.‏

ماذا يمكن أن أقول بالنسبة لياسين رفاعية? أهي الرواية التي كنا ننتظرها لتسمى باسمه وليعرف من خلال ذكرها? أم أنه جعلنا في انتظار إنتاج آخر- بصرف النظر عن مكانة هذه الأخيرة لديه? متأكد أنا أنها عزيزة جداً عليه- وأن ثمة من كتب أن رفاعية نافس بهذه الرواية (نابوكوف)- في لوليتا- بيد أن المسألة ليست على هذا النحو من التبسيط.‏

إن رواية رفاعية (لوحة) وجميلة أيضاً لكنها لوحة محدودة التأثير وأفقها محدود- بصرف النظر عن لغتها وبصرف النظر عن الشد والإثارة والتشويق التي تتميز بها من عناصر ضرورية للعمل الروائي. (أشعر الآن بأنني أخذت حقي من الحياة في هذا العشق الفريد والنادر, وعندما اذهب, سأذهب بهدوء واستسلام).‏

هذه الكلمات خلاصة رائعة للرواية- انها لوحة حب بين ابن السبعين وابنة السبعة عشرعاماً ( حدث نادر وفريد, وربما غريب) لكن ماأخذته على ياسين هو أنه لم يجعل القارئ يعيش في غير اجواء (خاصة جداً) لشخوص الرواية (الثلاثة) تحديداً (اهداب وعشيقها الرسام ووالدها). في حقيقة الأمر انني انتظر- حتى الآن- تلك الرواية التي يجب أن تقول لنا (الزبدة في العتاقي).‏

اما إلياس الفاضل فهو الشاعر الذي يثبت ان ثمة قدرة على نسف الحاجز الموهوم بين الشعر والنثر- فالكلمة قد تكون لوحة- وقد تكون اسفيناً يدق في القلب. الايقاع الشعري اساس, والفراهيدي ههنا موجود على صورة اخرى. ليس ثمة حاجة لشهادة تقول: إن إلياس الفاضل يكتب الشعر المنثور- الطليق- لعجزه عن (ميزان الذهب) بيد أن الرجل نشر قصائد من ميزان الذهب (هي قصائده اليتيمات) اما هنا فهو يهتف:‏

(سامحيني يادمشق‏

غادرتك كما يغادر الطير عشه‏

بحثاً عن الحب والرزق والطعام‏

غادرتك كي اشتاق إليك أكثر‏

وأحبك أكثر‏

وها أنا أعود إليك)‏

أبهذه البساطة يقال الشعر? لم لا? فالشام أم رائعة بسيطة كالحقيقة ومثلها مسقط الرأس (ربما مرمريتا) حيث يلجأ إليها لتدفئه من برد وتقيه من هلاك وضياع.‏

(مرمريتا‏

مطرقة وازميل في يد أبي‏

عصفورة برية ترفرف فوق رأس أمي‏

وردة شتوية في حاكورة جدي‏

فراشة ملونة في دفتر أخي‏

فلة بيضاء في شعر أختي‏

خلية نحل تجمع عسلها على صخور الوادي)‏

الياس يدهشك ببساطته ويدهشك برقته ويدهشك باختياراته المذهلة لكل الأشياء السهلة-الممتنعة.‏

أنا هنا لاأقارن بل : إن لغة ياسين رفاعية الروائية تملك (خصوصية وخصب) لغة الشعر, ومن هنا ننتظر منه (الرائعة) التي نقرأ فيها نحن - والأجيال القادمة- روح الزمن الراهن, ميزاته وأشجانه وسحره, ومضاداته ونقائضه كذلك. ليس ثمة مقارنة على الإطلاق, فكل قدرته وخطه وإبداعه ونشيجه وفرحته, ولكل رؤيته, بل وإشعاعه - مهما كانت المساحة التي يملؤها ضياؤه‏

الزبدة موجودة-ولا علاقة لها بالعمر والسن إنها نتاج القدرة على خض الحليب في الزق) والمثابرة والصبر والمكابدة من غير ملل أو nawafabulhaja@yahoo.com‏

">خور.‏

nawafabulhaja@yahoo.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية