تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عندما يحمل الأطفال مفاتيح المنزل ..تبدأ رحلة الخوف والوحدة والوساوس...القاسم: البقاء خارج المنزل ليس أكثر أماناً من وجود الطفل وحيداً فيه...د.مصطفى: ثمة علاقة بين عمر الطفل ومستوى المسؤوليات التي يمكنه تحملها...

مجتمع
الأثنين 17/11/2008
منال السماك

لاتفتح الباب لأحد, لاتبقى في الشارع, لاتلعب بالغاز ولاتقترب من الكهرباء, لا, لا...,

سلسلة تحذيرات وتنبيهات يومية, تلقى على مسامع بعض الأطفال, الذين يصح أن نطلق عليهم اسم ( أطفال المفاتيح) فمن هؤلاء??‏

إنهم أطفال يعودون من مدارسهم إلى البيت, ولايجدون أحداً بانتظارهم ليفتح لهم الباب, فالأم التي من المفترض أن تستقبلهم لدى عودتهم, خرجت إلى العمل رغبة منها أو مضطرة لضرورات مادية, وتضاربت مواعيد عودتها مع عودة طفلها, ولاخيار أمامها, فإما أن يبقى في الشارع بانتظارها, وإما أن تجازف وتعطيه مفتاح البيت, وبذلك تحمله مسؤولية تفوق عمره, وكلاهما له محاذيره..‏

ولمعرفة مدى انتشار هذه الظاهرة في أوساط الأطفال, توجهت إلى إحدى المدارس الابتدائية, ولدى سؤالي عمن يحمل منهم مفتاح البيت في جيبه, أبدوا تحفظاً واضحاً, بعد أن تلقوا وصية من الأهل, بالمحافظة عليه وعدم إخراجه أمام الغرباء, ولكن عندما شعروا بالأمان, فوجئت بأن الأكثرية يقتنون هذه المفاتيح, إما معلقاً تحت الثياب, أو مربوطاً بالحقيبة, أو مخبأً في جيوبهم بعيداً عن الأعين.‏

فريسة لمشاعر الخوف‏

يقول غيث رجب - 9 سنوات: (أنتبه قبل فتح الباب, إن كان أحداً ورائي, وإن شككت بأحد, لا أدخل البيت وأذهب لأتمشى قليلاً, وإن اضطررت أتصل بماما, ولكن عند دخولي المنزل, أشعر بالوحشة والوحدة, وأخاف عند سماعي أي صوت أو أي حركة, ومن شدة خوفي أجلس وأغطي نفسي بالحرام, حتى لايراني اللصوص).‏

ويتمنى مصطفى بورصلي - 10 سنوات, أن يجد والدته في البيت لدى عودته, لأنه يخاف البقاء وحيداً, يقول: (أحمل مفتاح البيت, منذ أن كان عمري سبع سنوات, لأن أمي موظفة, في البداية كنت أخاف, فأختبئ تحت السرير أو في الخزانة, ولكني الآن تعودت, ولم أعد أشعر بالخوف, لأنني صرت كبيراً وأدركت أن الباب مقفل, ولايمكن دخول أي أحد غريب).‏

ماذا عن الأم التي تذهب لزيارة ?!‏

ماعرضناه سابقاً ربما كان حالات اضطرارية, فرضتها الظروف, ولكن ماذا عن الأم التي تذهب لزياراتها, وتترك طفلتها وحيدة, تقول هديل مسرابي - 10 سنوات: (أمي لاتعمل, لكنها أحياناً تذهب إلى بيت جدي أو أحد أقاربها, وللاحتياط تعطيني المفتاح, وتوصيني بألا أقول لأحد, وأكون حريصة عليه حتى لايُسرق مني).‏

الإحساس بالمسؤولية شعور جميل‏

في الطرف المقابل يتمنى وسيم كباش -11 عاماً- أن يكون موضع ثقة والديه, وأن يحمل مفاتيح البيت, يقول: (إن اضطرت أمي للتأخر في عملها, تضعه في مكان متفق عليه أعرفه أنا وأختي التي تكبرني, وأنا أحسد رفاقي الذين يحملون مفاتيح بيوتهم, لأن الاحساس بالمسؤولية شعور جميل, يجعل الطفل يشعر وكأنه كبير يستطيع الاعتماد على نفسه).‏

بالي بانشغال دائم‏

هذه آراء بعض الأطفال من حملة المفاتيح, فماذا عن الأمهات العاملات, اللواتي ارتأين اللجوء لهذه الطريقة??‏

ترى وفاء جاعوني - موظفة- أم لثلاثة أولاد, أن هذه الطريقة لها مخاطرها, إن لم يكن الطفل واعياً بقدرٍ كافٍ, وتقول: (بعد أن علمت ابني كيفية التصرف أثناء غيابي, أعطيته المفتاح في العاشرة من عمره, وطلبت منه الاتصال بي في حال حدوث أي طارئ, ومع ذلك يبقى بالي مشغولاً, لذلك أتصل به أثناء دوامي لأطمئن عليه).‏

أشعر بالذنب تجاهه‏

وأحياناً تلجأ الأم إلى تكليف أحد الجيران بالانتباه على الأطفال في حال وجودهم وحيدين وهذا ماتفعله منى حمود - مدرسة- وأم لطفلين, تقول: (تعود ابني منذ الصف الأول, أن يعود إلى البيت ولايجدني, وقد أعطيته تعليمات بألا يفتح الباب لأحد, كما لفت انتباهه إلى مخاطر الكهرباء والغاز, في البداية كنت أعود وأجده جالساً على الدرج لخوفه من الدخول وحيداً, ولاأخفيك بأني أشعر بالذنب تجاهه, عندما يعاتبني, لأنه لايجدني بانتظاره, مثل ابن الجيران الذي يجد والدته باستقباله).‏

سلاح ذو حدين‏

المرشدة الاجتماعية -إيمان القاسم وهي أم لأربعة أولاد ترى أن مسؤولية حمل مفتاح البيت في سن صغيرة, سلاح ذو حدين, وتتابع قائلة: (إن البقاء خارج المنزل ليس أكثر أماناً من تواجد الطفل وحيداً, إن عملت الأم على توجيهه وتوعيته, للاعتماد على نفسه, على ألا يكون هناك فاصل زمني كبير بين عودة الطفل وعودة الأم, وإن كان هناك من يستطيع العناية به من الأقارب أو الجيران فهو أفضل).‏

يتعلم الاعتماد على نفسه‏

وتشترك بهذا الرأي: نابغة الحلبي - موجهة تربوية وهي أم لولدين, بل وتجد أنه من الطبيعي أن نعود أطفالنا على الاعتماد على أنفسهم, تقول: (من المتوقع حصول أي طارئ مع الأم, كأن تتأخر في عملها, أو تضطر للخروج المفاجئ ومن غير المقعول أن يبقى الطفل في الشارع عرضة لمخاطر السيارات وتحرش الغرباء, فأنا عودّت ابني منذ السابعة من عمره على أن يكون واثقاً بنفسه وألا يخاف, فيدخل البيت وينتظرني ريثما أعود).‏

رفض قاطع‏

في حين تؤيد بعض الأمهات هذه الفكرة, نجد في الجانب الآخر بعض الأمهات اللواتي يرفضنها رفضاً قاطعاً, تقول ابتسام ابراهيم - موظفة, وهي أم لطفلين: (لا أطمئن على أطفالي وحدهم في المنزل, فالطفل في المرحلة الابتدائية لايدرك معنى الخطر كالماس الكهربائي أو الحريق أو دخول الغرباء, لذلك أولادي ينتظرونني عند الجيران حتى أنتهي من عملي).‏

الطفل بحاجة للاحتضان العاطفي‏

وعن سلبيات وإيجابيات هذه الظاهرة, حدثنا الدكتور طلال عبد المعطي - أستاذ علم الاجتماع- كلية الآداب - جامعة دمشق, قائلاً: هناك علاقة بين المستوى العمري للطفل ومستوى المسؤوليات التي يمكنه تحملها, فمن الطبيعي أن يوجه الأهل وخاصة الأم الأبناء, إلى تحمل المسؤوليات المنزلية التي تتناسب مع أعمارهم, ومسألة حمل بعض الأطفال مفاتيح البيت, لاتقف عند قدرة الطفل على الاحتفاظ بها في جيبه أو حقيبته, لأنه يتجاوز مكان وضعه, إلى كيفية استعماله, وهذا يحمل الطفل مسؤولية حماية المنزل أثناء غياب والديه, وأعتقد أنه من المفترض ألا يقل عمر الطفل عن ثلاثة عشر عاماً.‏

ويتابع د. مصطفى بقوله: لهذه المسألة سلبيات تؤثر على الطفل, لأنها تعطيه الحرية لإمكانية دخوله وخروجه من البيت متى يشاء, إمكانية القيام بسلوكيات سلبية أحياناً, كما أن الطفل في سن التحضيري والابتدائي, بحاجة عند عودته من المدرسة وبعد فترة غياب لعدة ساعات لنوع من الاحتضان العاطفي والوجداني, وإن تعذر وجود الأم, يمكن تعويضه بوجود الأب أو الأخ الأكبر أو أحد الأقارب, ليشعر بالأمان والاطمئنان.‏

بالتوجيه لا بالتخويف‏

ويرى د. مصطفى أنه قبل سن 13 عاماً, توجد مخاطر لتواجد الطفل وحيداً في البيت, لذلك على الأهل العمل على تشكيل الوعي لدى أطفالهم بمخاطر الأشياء الموجودة في البيت كالأدوات الحادة, والشبابيك, والكهرباء,.. وهذا يبدأ من عمر 4-5 سنوات على أن تتبع الأم أسلوب التوعية البعيد عن التخويف والترهيب, فهناك خلط بين التوعية والتخويف لدى الكثير من الأمهات, مايؤثر على مواقف الطفل بشكل سلبي.‏

التدرج في تحمل المسؤوليات‏

ولتلافي هذه السلبيات, يُنصح بالتربية الموجهة منذ السنوات الأولى, لتحمل المسؤوليات بشكل متدرج, واختيار السن المناسب لهذه الخطوة, سيحول السلبيات إلى إيجابيات, تتمثل بتعزيز الثقة لدى الطفل, وتأكيد إمكانية استقلاليته, والاعتماد على نفسه مستقبلاً, فيكون قادراً على تكوين الرأي واتخاذ القرارات المناسبة, وبالتالي يكون أكثر قدرة على العطاء في مجتمعه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية