حيث ما إن باشر بتولي القيادة المركزية للقوات الأمريكية حتى سارع إلى تطبيق ذات الوسائل والطرق التي سبق أن اتبعها لمكافحة ما يسميه التمرد في العراق. لكن عليه ان يعلم أن الصراع في أفغانستان سيكون أكثر قسوة وصعوبة في كافة الأصعدة.
عرف عن بترايوس التوجس والخشية من الوقوع بالخسارة، لذلك نجده يعمد إلى اختيار فريق عمله من الضباط المشهود لهم بالقدرات والامكانات الكبيرة، واللجوء الى تغيير الاستراتيجية القائمة في افغانستان باتباع استراتيجية جديدة وضعها لها، لذلك عمد إلى إقالة قائد القوات الأمريكية وقوات حلف الاطلسي الجنرال ديفيد مكيرنان، ذلك القائد الذي عرف بصلابته، وافتقاره للحنكة، ليحل محله ضابط العمليات الخاصة ستانلي مكريستال، الذي يشابه بترايوس في امور كثيرة، وكان له الدور الرئيس في إعادة تأهيل الجيش الأمريكي.
يبدو ان بترايوس سينال فرصة ذهبية في أفغانستان، طالما افتقر إليها إبان وجوده في العراق على الرغم من حاجته الماسة اليها، الا وهي الدعم الدبلوماسي القوي من المبعوث الخاص ريتشارد هولبروك، الأمر الذي يمكنه من أداء مهامه على الوجه الأكمل. وعلى الرغم مما وصف به الاثنان من كونهما ثورين هائجين يقبعان في حلبة صغيرة، فإنهما مازالا يتعاونان في أداء هذا العمل الصعب والمضني.
ولتفهم رؤية بترايوس، علينا ان نتخيل خطاً افقيا حددت عليه خطة قتال المجموعات المسلحة، ويقع على يساره المجموعات المتشددة التي لن يتسنى للولايات المتحدة التفاهم معها، لكن عندما نتحرك نحو اليمين فإن تلك المجموعات ستصبح اكثر مرونة، بحيث يمكن التوصل الى اتفاق معها.
لقد قام بترايوس في العراق بالتحرك من قبيلة الى اخرى، والعمل على تجييش أغلب المسلحين في كل منها، وجعلهم في قطعات شعبية مسلحة تابعة لقبائلهم، ومنحهم الرواتب والأجور من الولايات المتحدة. أما الباقون الذين أصروا على مواجهة الولايات المتحدة، فاصبحوا عرضة للقتل والاعتقال من قبل قوات عهد بالإشراف عليها الى مكريستال في العراق. وبذلك فقد تم إتباع استراتيجية هادئة وقاسية، حيث يتم اطلاق النيران الكثيفة لتطهير المنطقة، ومن ثم استخدام وسائل اقل حدة لمكافحة التمرد، وبعدها يصار الى تقديم الإغراءات الاقتصادية والإعلان عن عمليات التنمية.
أما خطة بترايوس في أفغانستان فإنها تقوم على ضرب المسلحين ضربة قاصمة إثر وصول الدعم الذي أعلن عنه باراك اوباما بزيادة عديد القوات 21 ألف جندي، ومن ثم مراقبة نتائج العملية، إن أفضت الى تشتت في قوات طالبان، وعند تحقيق النصر فسيتم القيام بهجوم على معاقلهم في الجنوب، بحيث لا يبقى للمتمردين من مكان يأويهم.
إن تطبيق ذات الاستراتيجية التي تم تجربتها في العراق، أمر في غاية الصعوبة، لأن أفغانستان مترامية الأطراف إذا ما قيست بالعراق، والشعب يعاني من الفقر بوجه عام، وهو متزمت متعنت.
لم يعد خافيا على اوباما الصعوبات التي ستواجهه في تحويل افغانستان الى بلد حديث متطور، لكنه إن استمر بالاعتماد على هذين الثورين بترايوس وهولبروك، فلا ريب أنه سيخطو بأمريكا إلى مقبرة الإمبراطوريات البائدة.
20/5/2009
بقلم:ديفيد اجناتيوس