تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عندما يستيقظ فينا الجمال..

آراء
الأثنين 25-5-2009م
محمود شيخ عيسى

من منا لا يصغي بكل جارحة من جوارحه لقيثارة الجمال وهي تنساب بأعذب الأنغام تحافظ على المستوى الرفيع السامي وهي توقع تلك الأنغام وإن اختلف العازفون.

نمر أمام الغدير فنسمع مياهه الحانية على الورود توشوش في أجفانها كلمات الغزل المشتعل، لا تنتظر من تلك الورود تحريك شفاهها بطلب السقيا، بل تحمل لها الجرّة وتسكب لها الماء السلسبيل كما تفعل الأم مع رضيعها تشعر بسعادة غامرة وهي ترى القطرات تتدفق في فمه الصغير كذلك يفعل الغدير مع الورود فتسكب له الرحيق وتطوق به جيده تعبيراً عن شكرها وامتنانها.‏

تدعو العصافير كل صباح لاجتماع عاجل لا تستثني فيه أحداً من الطيور الطيبة، فتلبي العصافير الدعوة على الفور والموضوع الأساسي المطروح للنقاش هو اختيار أغنيات جديدة تقوم العصافير باختيار كلماتها وألحانها لتشعر الإنسان في كل زمان ومكان بجمال الحياة وتذكره بما أسبغ الله جل وعلا علينا من نعم لا تعد ولا تحصى.‏

تقف النحلات المجدّات أرتالاً أمام الشجيرات المتواضعة تمتص منها الرحيق وتترك لها رسالة عاجلة بأنها ذاهبة لتصنع العسل الذي جعل الله فيه شفاء لنا، فما أجمل تلك اللوحة ولنا في النحل أسوة حسنة لنتعلم كيفية المثابرة على إنجاز ما هو مطلوب منا على أكمل وجه مدفوعين بتوقنا المشتعل للكمال.‏

نشيد الحياة جميل لكن انشغالنا بتفاصيلها الصغيرة يجعلنا منشغلين أو متشاغلين عنه وترانا في حالة من اللاوعي مندفعين وراء متطلبات الحياة حتى لنكاد ننسى إعطاء أنفسنا برهة قصيرة من الوقت لالتقاط الأنفاس ثم الالتفات بعد ذلك إلى كتاب الحياة وتأمّل ما في جنباته من صفحات رائعة مدهشة.‏

هذا السباق المحموم يأكل أعصابنا ويطرحنا في دوامات الألم واليأس، فترانا خائفين من الغد نحسب للآتي ألف حساب وهنا تأخذ علاقتنا مع المستقبل شكلاً خاطئاً، فننظر إليه كشبح مريب الخطو يحاول استراق اللحظات الهانئة في حياتنا التي نقسو كثيراً على أنفسنا عندما نصفها بالشقاء.‏

لماذا نرى في الحياة خصماً ندخل معه في صراع ورثناه عن أفكارنا المسبقة فلم نعد قادرين على معرفة زمن انتهائه كما كنا عاجزين أصلاً عن معرفة زمن بدئه؟.‏

ليست المعادلة على ذلك القدر من الغرابة والتعقيد وليست في الوقت ذاته ذات طرفين متناقضين، إن حلها يكمن بإيقاظ حس الجمال في أنفسنا من أعماق أعماقها وجلوه خالياً من الشوائب والأوضار، لو فعلنا ذلك لبدت لنا المرآة في صورة تأسر بهاءً ونقاءً.‏

ولنتذكر ويجب ألا ننسى أن هذا الحس هو الذي يرينا اللون الحقيقي للجمال فيبدو أجمل من الجمال نفسه.‏

وطننا جميل بشعبه المحب لهذا الوطن الذي يقف وقفة العز والشموخ في زمن تكلف فيه هذه الوقفة الكثير، لكنه مصر عليها يقف بشموخ خلف رئيسه الشامخ الذي لا يخشى في الحق لومة لائم.‏

الحياة جميلة إذا عرفنا كيف نملأها بالعمل المفيد بدلاً من هدر الوقت بلا حسب ثم البدء بعض الأنامل حزناً وندماً على الوقت الذي هدرناه بلا حساب وبعيداً عن رقابة الضمير.‏

نستطيع أن نرى الجمال دون الاستعانة بالمناظير ووسائل التكبير إذا أيقظنا حس الجمال في نفوسنا، فعندما يستيقظ فينا الجمال نرى حتى القبيح جميلاً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية