والثاني: طغيان منطق الربح الفاحش في صناعات الأدوية على الأخلاق الطبية والعلمية.
ويركز الكتاب خاصة على علاقة المرأة بجسدها، وكيف أن هذه العلاقة تحصيل حاصل لما زرعه فيها المجتمع من أفكار ومشاعر أيضاً، يكفي أن نعرف أن كلمة هستريا مشتقة من الكلمة اليونانية (هوستيرا) والتي تعني الرحم، وكان أول تدشين لكلمة هستريا هو وصف سلوك المرأة حين تكون في فترة الإباضة، أو أثناء الدورة الشهرية، واعتبار سلوكها غير مقبول في هذه الفترة، وقد لجأ العديد من الأطباء في القرن التاسع عشر إلى نصح النساء باستئصال أرحامهن كشكل من أشكال العلاج للعديد من الأمراض.. و من المؤسف أن النساء اقتنعن بما يقوله الأطباء.
وفي السنوات الأخيرة حدثت ثورات في علم الأدوية التي تعالج سن اليأس عند المرأة، أي المرحلة التي تنقطع فيها الدورة الشهرية، وتنافس شركات الأدوية في طرح العديد من هذه الأدوية ذات المواصفات السحرية والتي ليس لها أي أضرار جانبية، وصار تعبير «دواء نباتي» أشبه بكلمة سحرية، تنقاد وراءه النساء كالمنومات مغناطيسياً. ولكن يبين كتاب نحن وأجسادنا، أن كل هذه الأدوية لها مضار هائلة، وأن مضارها أكبر بكثير من فوائدها، لكن شركات صناعة الأدوية، وشركات الضمان الصحي في أميركا، لاتتورع عن توظيف ملايين الدولارات من أجل الدعاية والترويج لهذه الأدوية.. بل صارت معظم النساء يستعملنها من دون وصفة طبية، إذ يمكن شراؤها عن طريق الانترنت.
وللأسف إن طغيان الدعاية وتحكم شركات صناعة الأدوية والضمان الصحي بالسوق العالمية للدواء، والتي لاتهدف حقيقة إلا للربح، والربح الفاحش، كل هذه العوامل، شوهت علاقة المرأة بجسدها، فاقتنعت معظم نساء العالم أن عليهن تناول الأدوية الهرمونية الممتازة التي تضمن لهن شباباً دائماً، من أهم علاماته، استمرار الحيض!! ولم يخطر لامرأة أن تشكك للحظة في تلك الأفكار والحقائق، لأن اللعبة محكمة باتقان، فأجهزة الإعلام المتنوعة تعرض أدوية مرخصة من شركات دواء عالمية ذات سمعة طنانة، وتقام مؤتمرات علمية وندوات، ودعوات غداء وعشاء فاخرة للترويج لدواء، ويُدعى أطباء اختصاصيون لحضور مؤتمرات علمية في منتجعات سياحية عالمية فخمة، كضيوف معززين مكرمين، للترويج لدواء..
وبعد سنوات حين يُكتشف أن الدواء الفلاني يسبب أمراضاً خطيرة، أو قد يكون أحد مسببات أمراض خطيرة، يُعلن أنه يجب إيقاف استعمال الدواء... لكن الأضرار تكون قد حصلت.. والأرباح تكون قد تكدست في جيوب المسؤولين عن شركات الأدوية.
إننا نحتاج لجبهة أخلاقية علمية، أخلاقية أولاً، ثم علمية لمواجهة طغيان اللأخلاق المتحكم بصناعة الأدوية في العالم من الأدوية التي تُعطى للنساء في سن اليأس، إلى الأدوية القاطعة للشهية والمنحفة، إلى الأدوية الرافعة للمزاج والمضادة للاكتئاب، ومعظم هذه الأدوية لم تخضع لدراسات دقيقة، بل يتم التعتيم تماماً على آثارها الجانبية السيئة، والتي قد تصل إلى توقف القلب!.
وبعد أليس إصرار المجتمع على اعتبار أن العمر الذي تنقطع فيه الدورة الشهرية لدى المرأة هو سن اليأس هو تعبيرعن النظرة الدونية للمرأة، تلك النظرة التي تربط بين أن تكون المرأة مرغوبة ومقبولة أكثر، ومحبوبة أكثر، وطلباتها مستجابة أكثر، وبين أن تكون لاتزال تتمتع بالدورة الشهرية!.
أليس من المعيب والمحزن أن نسبة كبيرة من النساء مقتنعات بهذا التضليل اللأخلاقي واللا علمي.. فعلاً العالم يحتاج لجبهة أخلاقية علمية لمواجهة طغيان الطب اللأخلاقي.